وقوله: {ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون} ،الْمَعْنَى لَوْ أَفْهَمْتُهُمْ لَمَا أَجْدَى فِيهِمُ التَّفْهِيمُ فَكَيْفَ وَقَدْ سُلِبُوا الْقُوَّةَ الْفَاهِمَةَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَعَ انْتِفَاءِ الْفَهْمِ أَحَقُّ بِفَقْدِ الْقَبُولِ وَالْهِدَايَةِ.
الرَّابِعُ: أَنْ يَسْتَدِلَّ بِالْفِعْلِ لِشَيْئَيْنِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَحَدِهِمَا فَيُضْمَرُ لِلْآخَرِ فِعْلٌ يُنَاسِبُهُ كقوله تعالى: {والذين تبوأوا الدار والإيمان} أَيْ وَاعْتَقَدُوا الْإِيمَانَ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سَمِعُوا لَهَا تغيظا وزفيرا} أَيْ وَشَمُّوا لَهَا زَفِيرًا.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} ، وَالصَّلَوَاتُ لَا تُهْدَمُ فَالتَّقْدِيرُ: وَلَتُرِكَتْ صَلَوَاتٌ.
وَقَوْلِهِ: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} فَالْفَاكِهَةُ وَلَحْمُ الطَّيْرِ وَالْحُورُ الْعِينُ لَا تَطُوفُ وَإِنَّمَا يُطَافُ بِهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ} ،فَنَقَلَ ابْنُ فَارِسٍ عَنِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْوَاوَ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ شُرَكَائِكُمْ كَمَا يُقَالُ: لَوْ تُرِكَتِ النَّاقَةُ وَفَصِيلُهَا لَرَضَعَهَا أَيْ مَعَ فَصِيلِهَا.
وَقَالَ الْآخَرُونَ: أَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ، اعْتِبَارًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ} .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيرَ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ لِلثَّانِي لِيَصِحَّ الْعِطْفُ هُوَ قَوْلُ الْفَارِسِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ لِتَعَذُّرِ الْعَطْفِ. وَذَهَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْأَصْمَعِيُّ وَالْيَزِيدِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْمُفْرَدَاتِ وَتَضْمِينِ الْعَامِلِ مَعْنًى يَنْتَظِمُ الْمَعْطُوفَ وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ جَمِيعًا،.