فَإِذَا تَكَامَلَتْ أَصْبَحَتْ مُخْضَرَّةً بِغَيْرِ مُهْلَةٍ وَالْمُضَارِعُ بِمَعْنَى الْمَاضِي يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى الْمَاضِي وَإِنَّمَا لَمْ يُنْصَبْ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ أَيْ قَدْ رَأَيْتُ فَلَا يَكُونُ لَهُ جَوَابٌ لِأَنَّهُ خَبَرٌ
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِنَّمَا يُنْصَبُ مَا بَعْدَ الْفَاءِ إِذَا كَانَ الْأَوَّلُ سَبَبًا لَهُ وَرُؤْيَتُهُ لِإِنْزَالِ الْمَاءِ لَيْسَتْ سَبَبًا لِاخْضِرَارِ الْأَرْضِ إِنَّمَا السَّبَبُ هُوَ إِنْزَالُ الْمَاءِ وَلِذَلِكَ عُطِفَ عَلَيْهِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ} {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا} فَالتَّقْدِيرُ: فَإِذَا أَرَدْتَ فَاكْتَفِي بِالسَّبَبِ عَنِ الْمُسَبِّبِ
ونظيره: {أن اضرب بعصاك الحجر} أَيْ فَضَرَبَ فَانْفَجَرَتْ
وَأَمَّا قَوْلُهُ:: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عظاما فكسونا العظام لحما} ،فقيل الفاء في: {فخلقنا العلقة} ،وفي {فخلقنا العلقة} بِمَعْنَى ثُمَّ لِتَرَاخِي مَعْطُوفِهَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَسِيطِ: طُولُ الْمُدَّةِ وَقِصَرُهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى وُقُوعِ الْفِعْلِ فِيهِمَا فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ يَقْتَضِي زَمَنًا طَوِيلًا طَالَتِ الْمُهْلَةُ وَإِنْ كَانَ فِي التَّحْقِيقِ وُجُودُ الثَّانِي عُقَيْبَ الْأَوَّلِ بِلَا مُهْلَةٍ وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ يَقْتَضِي زَمَنًا قَصِيرًا ظَهَرَ التَّعْقِيبُ بَيْنَ الفعلين فالآية واردة على التقدير الأول فَلَا يُنَافِي مَعْنَى الْفَاءِ
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُهْلَةَ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَنِ الْفِعْلِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفِعْلِ فَوُجُودُ الثَّانِي عَقِبَ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ مُهْلَةٍ بَيْنَهُمَا هَذَا كُلُّهُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِينَ