وأما شعر الأعشى: فلا يتأتى المعنى على حال السداد والكمال، إلا
بقوله: "وهن شر غالب لمن غلب"، فأتى به كما هو من غير تغيير.
وكذا شعر عبد الله بن رواحة رضي الله عنه: والله لولا أنت ما
اهتدينا.
ولما كانت "الألى" - بضم الهمزة بمعنى الجماعة - يجوز فيها المد والقصر
وكان المد لا يلتزم هنا إلا لأجل الوزن، وكان انتظام المعنى به مقصوراً.
كانتظامه به ممدودا، قصره - صلى الله عليه وسلم - لأنه لا نظر له إلى غير تصحيح المعنى بالألفاظ الكاملة.
فإن قيل: المد ربما أفهم تعظيماً لم يفده القصر؟.
قيل: وهذا موجب الإتيان به مقصوراً، لأن المقام لا يقتضي تعظيم
الظالمين.
وأما قول لبيد: فلا يتأتى المعنى - مع أنه في غاية الصحة - إلا به، فلم
يغيره.
وأما قول طرفة: فلما كان قد يلزمه الكذب من تقديم الجار، في قوله:
"بالأخبار" نطق به - صلى الله عليه وسلم - على أتم أحواله، بأن قدم "من لم تزود" الذي هو عمدة الكلام، سواء كان بضمير، أم لا.
وأما "كفى الشيب والِإسلام ": فإنه لا يليق بذلك السياق الذي للنهى
عن المساوىء والوعظ، أن يُقدم فيه شيء على الإِسلام، الذي هو أعظم
واعظ، وأقوى زاجر، وتأكيد المعنى بالجار أحسن، فأتى به كذلك.
فتأمل ما يرد عليك من مثل ذلك حق التأمل، وأعطه ما يليق به.