ثم إن وراء ذلك: أن القوافي المطلقة الموصولة بحروف العلة، لا
يُعَد البيتُ شعراً إلا بوصلها، وإلا نقص الوزن، ومتى نقص، لم يعد شعرا.
ولا رواية مصرحة بأنه صلى الله عليه وسلم وصل شيئاً من ذلك.
فالظاهر: أنه سكَّن اللام من "باطل " من شعر لبيد للوقف، كما تقدم
في دميت، وكذا كل ما جاء من مثله.
وأما ما "حرف " الوصل فيه من (نفس) الكلمة فيأتي به لكون
الكلمة لا تصح إلا به لا لكونه وصلاً.
وأما من كان يقول له - صلى الله عليه وسلم -: "ليس هكذا قال الشاعر"، من الصحابة رضي الله عنهم، فكانوا يعلمون أن الشاعر إذا قدم شيئاً، أو أخره، لم يفعل ذلك لقصد المعنى الذي أدى إليه التقديم والتأخير، وإنما هو للاضطرار، وأن ذلك لازم في صنعة الشعر، لا يحلو إلا به، فيلزم الذي يقصد الشعر أن يأتي به ليصح النظم معه، وكذا من يقصد روايته عن قائله، لتصح له الرواية.
وأما النبي - صلى الله عليه وسلم -: فلما لم يكن للوزن عنده اعتبار، لم يلتفت إليه، ورأى: أن التقديم والتأخير مِخُل بالمعنى فنطق به - صلى الله عليه وسلم - على الصواب، ولم يلتفت بوجه
إلى الوزن، ولا نحا أصلًا نحوه، لأنه ليس للشعر عنده حرمة من حيث كونه
شعرا، فليس هو بشاعر، ولا راوية للشعر، حتى يقصد الإتيان بالبيت كما
هو، لئلا ينكسر، بل قصده المعنى ليس غير، لأنه إذا أدار الأمر بين أن يأتي
بمعنى معيب في لفظ مزوَّق، فهو في الظاهر حلو، وفي الحقيقة معيب كما هو
حال كل شيء للشيطان فيه حظ. وأن يأتي بالمعنى خالصاً ممدّحاً في لفظ