تحتنا، أو يميننا أو يسارنا، أو خلفنا أو قدّامنا، فأنزل الله: (وإذا سألكَ عبادِي عَنّي فإني قَريب) .
يعني وحاجتكم أنا، لا المكان، فإن وجدتموني فما تصنعون
بالمكان وأنا منَزَهٌ عن المكان.
وفي رواية: إن اليهود سألوه عليه السلام أقريب ربّنا فننَاجيه أم بعيد
فنُنَادِيه، فأنزل الله: (ونحن أقرب إليه مِنْ حَبْلِ الوَرِيد) .
يعني بالعلم والقدرة والإجابة لا بالذات، فادْعوني سِرًا أو جَهْرًا، فإني قريب
أجيب، إنْ سألني العاصي غفرت له، وإن سألني المحسن أعطيته سؤلَه.
فهنيئاً لكم أيتها الأمة المحمدية، نسبكم إلى آدم في قوله: (يا بني آدم) .
وبالشريعة إلى نوح في قوله: (شرعَ لكم من الدِّين ما وصَّى به نوحاً) .
وبالملّة إلى إبراهيم.
وبالأمة إلى محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبالعبوديّة إلى نفسه، والحكمة فيه حتى يشفع آدم فيكم، فيقول: يا رب، هم أولادي، ويقول
نوح: أهل شريعتي.
ويقول إبراهيم: أَهل مِلَّتي.
ويقول محمد: أمَّتي.
ويقول الله: عبادي وخواصِّي، فالذي نسبك إليه أَترى أنه يريد معاقَبتك.
وقد قال لنوح لَما أراد عقوبة ولده: إنه ليس من أَهلِك.
أو الرسول الذي بعِث إليك يريد تعذيبَ أمته، وهو لم ينْسَهم في الأربعة مقامات: مقام التحية لولاه في قوله: "السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين".
ومقام الشكر في قوله: (والمؤمنون كلّ آمَنَ بالله وملائكته) .
ومقام الحاجة سأل من الله عشر حاجات، فأعطاه ما سأل قوله
تعالى: (غفرانكَ ربَّنا وإليكَ الْمَصِير) . . . إلى آخر السورة.
ومقام الشفاعة: (ولسوف يعْطِيكَ ربّكَ فَتَرْضَى) .
أفترى أنه يرضى بقاء أمته في النار وهو في الجنة، ولذلك يقول له جبريل:
أنت منعَّم، وأمتك في النار، فيستأذن في الشفاعة فيهم في حديثٍ طويل.
وقد عاتبه الله يوم بَدْر لما كان في العَرِيش وأصحابه في الشمس، فقال: يا
محمد، أنْتَ في الظل وأصحابك في الشمس، أهكذا هي الصحبة! فسبحان
اللطيف بعباده وخصوصاً بهذه الأمة (1) .