وفي الحديث: أن جميع الأنبياء قالوا ربَّنا، كما قال آدم: (ربَّنَا ظلَمْنا أنْفُسَنا) .
وإبراهيم: (رَبّنا واجعلْنَا مسْلمَيْن لك) . وغيرهما.
فلما بلغ الأمرُ إلى أمة محمد هابُوا أن يضيفوه إلى أنفسهم، فيقولوا: ربنا، فسكتوا، فأضاف الله نَفْسَه إليهم بقوله: (وقال ربكم ادْعُوني أسْتَجِبْ لكم) .
وكان جميع الأمم لم يكن لهم جراءة على أن يدعوا ربَّهم، ولكن كانوا يقولون: (ادع لنا ربك) .
(هل يستطيعُ ربُّك) .
وهذه الأمةُ رفع الله الواسطةَ بينهم وبينه، وأمرهم بالدعاء، فإن لم يدعوه
فهو يدعوهم ليغفر ذنوبهم.
وتأمل قوله تعالى: (فإنّي قَرِيب) ، ولم يقل هو كما قال: (يسألونك ماذا
ينفقون قل العَفْو) .
(قل هو أذًى) .
(قل إصلاح لهم خير) .
وقال: (فلْيَسْتَجِيبوا لي) إذا دعوتهم إلى المغفرة، فإن دعوني بلا غفلة أجَبْتُهم بلا مهملة، وإن دعوني بالصفاء أجبتهم بالعطاء، وإن دعوني بلسان الشهادة أجبْتُهم بإعطاء الولاية.
وإن دعوني بالنعمة أجبتهم بالشهادة، وإن دعوني بجميع الجوارح أجبتهم إجابةَ ناصح، وإن دعَوْني بالإخلاص أجبتهم بالخلاص، وإن دعَوْني بالمغفرة أجبتهم بتبديلها بعشرة، وإن دعَوْني بالخوف والرجاء أجبتهم بالرحمة والجزاء.
وإن دعَوْني بالاضطرار أجبتهم بالافتخار.
وإن دعوني بأسمائي الْحسْنَى أجبْتهم بالعطية الكبرى.
فانظروا أيها الأمة ما أرْحَمه بنا! وقد رآيناه أجاب الذاكرين بقوله:
(أذكركم) .
وأجاب المتفكرين: (بل الله يَمنُّ عليكم) .
وأجاب الداعين: (أستَجِبْ لكم) .
وأجاب الخائفين: (ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا) .
وأجاب المقربين بالوصلة: (فقد استَمْسكَ بالغرْوَة الوثقى) .
وأجاب المستغفرين بالمغفرة: (إنه كان غَفَّارًا) .
وأجاب المتضَرّعين بقوله: (يوم لا يخْزِي الله النبي) .
فإن قلت: قد رأينا مَنْ يَدْعو ولا يستجيب له؟
والجواب إذا وقع الدعاءُ من المضطرّ حصل جوابه على كل حال.