بذات، وهكذا نداؤه سبحانه للرسل والأمم يومئذ، كقوله: (ويَوْمَ ينادِيهم
فيقولُ ماذا أَجَبْتُم الْمُرْسَلين) .
والرّسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يذهلوا عن جوابِ قومهم لهم في الدنيا، لأنهم آمِنون يومئذ، وإنما تأدَّبوا مع الله سبحانه لردّ العلم إليه سبحانه.
قال ابن عباس رضي الله عنه: المعنى لا علم لنا إلا ما علمتنا.
وقيل معناه عِلْمنا ساقط في جَنْب علمك.
ويقوّي هذا قولهمِ: (إنَّكَ أنْتَ عَلاَّم الغُيوب) ، لأن من علم الخفيَّات لم تَخْف عليه الظواهر.
وسؤال الله لهم مع علمه توبيخٌ واحتجاجٌ على المخالفين.
وانظر الصحابة رضي الله عنهم كيف تأدبوا بهذا الْخُلق العظيم في آخر حجَّةِ
الوداع لما قال - صلى الله عليه وسلم -: " أيُّ يوم هذا، أي شهر هذا، أي مكان هذا، فأجابوا بقولهم: الله ورسوله أعلم، مع أنهم علموا الشهر واليوم والمكان، لكنهم تأدّبوا معه - صلى الله عليه وسلم -، وتوهموا لعله أن يريد غير هذا.
(فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (115) .
هذه عادةُ الله سبحانه في عقاب مَنْ طلب مِنَ الرسول آيةً
فكفرها، وأصحابُ المائدة سألوها من عيسى، فقال الله: (إني مُنَزلها عليكم) ، فكفروا، فمسخهم الله قردةً وخنازير.
قال عبد اللَه بن عمر: أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة مَن كفَر من أصحاب المائدة، وآل فرعون، والمنافقون.
(فانظروا) :
أمَر الله رسولَه أن يأمر قريشاً بالسير في الأرض للاعتبار بمنازل الكفار الذين كانوا قبلهم.
فإن قلت: ما الفرق بين قوله: (فانظروا) ، و (ثم انظرُوا) ؟
والجواب أنه جعل النظر مسبَّبا عن السير في قوله: (فانظروا) ، فكأنه قال:
سيروا لأجل النظر.
وأما قوله: (قُلْ سيروا في الأرض ثم انْظروا) ، فمعناه إباحةُ السير للتجارة وغيرها من النافع، وإيجاب النظر في الهالكين.
(فإنّهم لا يكذِّبونك) .
بتشديد الذال بمعنى لا يكذبونك