كانتا من جلد حمار ميِّت، فأمر بخلع النجاسة.
واختار ابن عطية أنه إنما أمِر بخلعهما ليتأدب، ويعظّم البقعة المباركة، ويتواضع في المناجاة مع خالقه (1) .
وأين هذا المقام من مقام سيدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - لما زُجَّ به في عالم العزَّة!
أراد أن يخلع نعلية، فإذا النداء: يا محمد، لا تخلع نعليك.
فقال: يا ربِّ سمعتك تقول لموسى: (فاخلع نعليك) .
فقال: يا محمد، لئن أمرت موسى بنزع نعليه على جبل الطور فقد أبحنا لك أن تطأ بنعليك على بساط النور، لأنك المكرَّم عندنا، والعزيز لدينا (2) .
اللهم بحرمته لديك اعف عنا واغفر لنا.
قيل أصحاب الشجرة في القرآن أربعة: آدم: (ولا تَقرَبا هذه الشجرة)
، وموسى: (نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقْعَةِ المباركة من الشجرة) .
ومريم: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ) .
ومحمد - صلى الله عليه وسلم -: (إذ يبَايعونك تَحْتَ الشجرة) .
فآدم دَنا من شجرته باختيار نفسه، فصارت عليه محنة، حتى خرج منها
بسببها.
وموسى دنا من شجرته بالأمر، فصارت عليه بركة، وأوْصله بالوادي
المقدس، ونودي (إني أنا رَبُّك) .
ومريم دَتتْ من شجرتها باخْتِيار نَفْسها، فصارت عليها محنة، حتى قالوا ما قالوا، ونالها من الألم ما نالها، ولم تَصِلْ إلى رزقها إلا بالعناء.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - دنا من شَجَرته من حيث الأمر، فعادت عليه رحمةً، وبايعوه تحتها، وظهر الإسلام، واستقام الشرع.
وكذلك مثَّل الله الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة.
وقيمة الشجرة بالثمار والأنوار، وقيمة المؤمن بمعرفة الجبَّار، كأنه تعالى يقول: قلبك بموضع شجرة إنباتها معرفتي، وثمرها شهادتي، ونورها حديثي ومنها تصير يا عبدي موحِّدي.. .
آدم قصد شجرةً وفيها للعدو نصيب، - فأصابه من الذلِّ والمِحَن
والخروج من الجوار ما أصابه (3) .
والشجرة التي هي في موضع نظري ومقام معرفتي إذا قصدها الشيطان أتراني أسلمها له، وأنا أنظر إليها كل يوم ثلاثمائة وستين