نظرة لحُرمتها، أفتراني أسلمها للشيطان إذا قصدها! بل أطرده وأكافئه كما
كافَأت آدم، حين قصد شجرة فيها للعدو نصيب أخرجته منها لنصيبه.
والشجرة التي هي نصيبى أكافئه بأن أضع ذنوبك على عنقه، وأدخلك الجنة
لنصيي فيك.
فإن قلت: قد اختلفت الألفاظ في قصة موسى، ففي موضع قال: آتاها، وفي موضع: جاءها، وفي آية: (إني أنا ربُّك) ، وفي آية: (إني أنا الله) ؟
فالجواب أن لفظ جاء وأتى بمعنى واحد، لكن كثُر هنا لفظ الإتيان، نحو:
فأتِيَاه، فلنأتينّك، ثم أتى، ثم ائْتُوا صفا.
وكثُر في النمل لفظ جاء، نحو: (فلما جاءهم) .
(وجئتك من سبَأ) .
(فلما جاء سليمان) .
وإنما أبرز الضمير في هذه الآية بقوله: ربك، لأنه خاطبه مرّتين، كل مرة
بما يليق به، ففي الأولى أظهر له النعمة في إنجائه من فرعون، وتحنّن شعيب له، وإكرامه بالكلام.
فلما تأنّس وزالت عنه الدهشة خاطبه بالألوهية الْمشْعرة
بالخوف من هذا الاسم العظيم.
فسبحان اللطيف بعباده، الْمُنْعم عليهم بنعمه: خلقهم بلا مثل، وصورهم بلا مشاورة، ورباهم بلا قوة، وهداهم بلا شفاعة، ورزقهم بلا دعوة، وأمرضهم بلا واسطة، وشفاهم بلا دَوَاء، وأماتهم بالعدل، وأحياهم بالقدرة، وغفر لهم بالرحمة.
وقد قدمنا أنَّ موسى خرج لطلب النار، فوجد الجبَّار.
ويوسف خرج للنزهة فوجد العبودية.
وبلقيس خرجت للنظر فوجدت المعرفة.
وطالوت خرج لطلب حماره فوجد الملك.
وأنت يا محمديُّ إذا خرجتَ من الدنيا لِطَلَب مَوْلاك أفتراك لا تجده وقد
خرجت لأجله! كلا، بل تجده، وينيلُك ما انتهت عيْنُك، ولذَّت نفسك.