حتى شاع خبره، فذهبت أخته إليهم، وقالت: (هل أدلكم على من يكفُله) .
(فرَدَدْناه إلى أمِّه) :
وهذا مِنْ مِنَنِ الله عليه لما قالت لهم: أنا أدُلكمْ على أهْلِ بيت يكْفلونه لكم وهم له ناصِحون، وحَرَّضَتْهم بهذا الكلام قالوا لها: أنْت تعرفين هذا الغلام، قالت: لا، غير أني أعلم من هذا البيت الحرصَ على التقرب إلى الملكة والجدّ في خدمتها ورضاها، فتركوها وسألوها الدلالة، فجاءت بامّ موسى، فلما أخذته التْقَمَ ثَدْيهَا، ففرحت آسية لذلك، وقالت لها: تكونين معي في القصر.
فقالت لها: ما كنْتُ لأدعَ بيتي وولدي - تعني هارون.
ولكنه يكون عندي.
فأحسنت آسية إليها غايةَ الإحسان، واعتَز بنو إسرائيل بهذا الوليد السعيد، فهذا معنى رجوعه إلى أمّه، وإقرار عينها، وذهاب الحزن عنها.
وهذا كله من ثقتها بربها، وتسليم الأمْرِ إليه
بعد امتثال أمره، ولولا أن الله رَبَط على قَلْبها بالصَّبْر لكادت تُبدي به، لكن
رجعت إلى ربها، فجمع الله شَمْلَها به.
ويعقوب لما رجع في حِفْظِ يوسف إلى أولاده وقولهم له: (وإنا له لحافظون) ، واطمأن إلى حفظهم ابتلاه الله بمفارقته.
ولما زال عن حفظ إخوته ردّه الله إلى حفظه، فقهر له العبادَ والبلاد، وردّ عليه والده.
وأنْتَ يا محمدي لو رجعْتَ إلى الله وتوكلْتَ عليه لحفظك في أهلك ومالك
وولدك، وجمع بينك وبين أحبتك يوم القيامة، ولكنك أسأتَ الأدب.
واطمأنَنْتَ إلى المخلوقين، فكيف تطمع بنيل مركوبك وقد أعرضت عنه؟!
فإن قلت: أي فرق بين الرجوع في هذه الآية وفي آية القصص بالرد؟
والجواب هما بمعنى واحد ولما كان لفظ الرجوع ألطف خُصَّت به هذه الآية.
وعبَّر في القصص بالرد لمناسبة قوله: (إنا رَادُّوه إليكَ) .
(فنَجَّيْنَاكَ مِنَ الغَمِّ) : لما خاف مِن قَتْلِ القبطي أمَّنه الله بقوله: (لا تخف نَجَوْت من القوم الظالمين) .