وأنت يا محمدي إذا رجعْتَ إليه أفتراه لا يُنجيك من غمِّ الدنيا، وعند
النّزعْ، وفي القبر، وفي أهوال القيامة.
وقد قال لك: (إن الله مع المؤمنين) .
إن الله مع الصابرين) .
(إن الله مع الذين اتَّقَوْا) .
(وإن الله لَمَعَ المحسنين) .
موسى كانت في يمينه العصا، فضرب البحر بها فانفلق حتى جاوزَه هو
وقومه، والمؤمن الذي بيده كتاب ربِّه أتراه لا يضرب به بحرَ الموت فينفلق له، ويقول له: كن عليَّ رحمةً (1) فتنزع روحه نوماً برفْق كالقطر من الصفا، كما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لملك الموت: " ارفق بأمتي.
فقال له: أبشر، فإني بكل مؤمن رفيق ".
(فاقذفيه في الْيَمِّ) :اليم: هو البحر، وأمْر الله في هذه الآية لأمّ موسى أن ترميه في بَحر النيل، لأن فرعون لما ذكر له أن هلاكَه على يد رجل من بني إسرائيل أمر بذبح كلّ ذكر يولد لهم، فألقَتْه في تابوت، وألقت التابوتَ في البحر، وكان فرعون في موضع يُشْرف على النيل، فلما رأى التابوتَ أمر به
فسِيق إليه، وامرأتُه معه، ففتحه فأشفقت عليه امرأته، وطلبت أن تتخذه ولداً، لأنها لم يكن لها ولد، فأباح لها ذلك، فذلك قوله: (وألقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبّةً مني) .
فهذه المحبةُ نفعت امرأة فرعون، وكذلك صَفُورا نفعت محبتها لموسى، وزُليخا ليوسف، وخديجة لمحمد - صلى الله عليه وسلم.
فالمؤمن الذي يحبُّ الله ويحبُّه الله أفتراه لا تنفعه محبته، وهو يقول:
(يحبُّهم ويحبُّونَه) ، ولم تكن هذه المحبة إلا لأمّة الحبيب، لأنه كان حبيباً، وحبيبا كحبيب حبيب، ألا ترى آدم كان صفيًّا، فلم يجد أحد من قومه الصفوة، وإبراهيم كان خليلاً فلم يجد أحدٌ من قومه الخلة، وهكذا سائر الأنبياء، لكن من علامة المحبة أولها الإفلاس، وآخرها الوَسواس، ومن فَرّ منه دعاهُ بكثرة الإحسان حتى يستحيي من الله، فيرجع إليه.
(فتقول هل أدُلّكم على مَنْ يَكفُلُه) :
يعني أنَّ فرعون لما أخذه من التابوت، وأسلمه لآسية صارت ترْضعه في المراضع، فلم يَقْبَل ثَدْيَ مرْضعة.