بجملتها على التلطّف والتأنيس ناسب ذلك بما أمر موسى عليه السلام من دعاء فرعون وأنسه ولطفه، وأمر موسى عليه السلام وأخيه هارون بذلك، فقيل لهما: (فقولَا له قَوْلاً ليِّنا) .
وجرى على ذلك قوله: (إنا رسولا ربك) ، فأشعرت هذه الإضافة بالتلطف الربّاني.
ولما لم تكن سورة الشعراء مبنية على ما ذكر، وإنما تضمنت تعنيفَ فرعون
وملأه وإغراقهم، وأخذ المكذّبين للرسل بتكذيبهم، وهذا في طرف من التلطف
- ورَدَ فيها: (فقولا إنا رسول رب العالمين) ، بإضافة اسمه تعالى إلى العالمين.
لتحصيل أنه مالك الكلّ، وأنهم تحت قَهْره تعالى، وفي قبضته، وعدل عن
الإضافة إلى ضمير الخطاب، إذ لم يقصد هنا ما قدم من التلطف.
ونظير الوارد في هاتين الآيتين قوله تعالى: (ولو شاء ربّك ما فعلوه) - تأنيساً لنبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم -، ثم ورد فيما بعد: (ولو شاء
الله ما فعَلوه) .
فقِفْ على ذلك، وقد تبين جليل النظم، وهو التناسب، وتأمل أَمرَهما الله هنا بالإخبار بأنهما رسولَا رَبِّه، وأمرهما في آية أخرى بالتلطف له في الموعظة، لأنه أعون على قَبُول النصح، وإنفاذ الدعوة، وإمالة القلوب إلى ما تدعى إليه، وهذا كقوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) .
واختلف في معنى القول اللين، فقيل: عِدَاهُ شباباً لا يهرم بعده (1) ، وملكاً لا
ينزع منه إلا بالموت، وأن تبْقى له لذة المطعم والمشرب والْمَنْكح إلى حين موته.
وقيل: لا تواجهاه بما يكره، فإن في ذلك تنفيرا له، أو لما له من حق التربية
لموسى، فقد روي أنَّ الله عزّ وجل قال: كانت لفرعون على موسى حقّ التربية، فأردت أن أكافئه بقولي: (فقُولاَ له قَولاً ليّنا) .
وقيل كنِّياه، وكان له ثلاث كنى: أبو العباس، وأبو الوليد، وأبو مرة.
وقد رُوي أن إبليس أتى إليه ودقَّ عليه الباب، فقال: مَنْ، فقال له