إبليس: من ادَّعَى الرّبوبية يعرف مَنْ أنا، فقال له فرعون: هل علمت من هو شر منّا، قال إبليس: مَنْ باع آخرته بدنْيا غيره.
فانظر هذا اللطف العظيم مع من ادَّعَى الربوبية، فكيف بمن أقر له بالعبودية
وعبده مدةً مديدة، أتراه لا يعامله بما تدهش له النفوس من العيشة الهنية.
(فمنْ ربّكمَا يا موسى) :
خطاب لهما، مع أنَّ موسى الأصل في النبوءة وهارون تابعٌ له.
(فيُسْحِتَكم) : معناه يهلككم.
وقيل سحت وأسْحَت، وقد قرئ بفتح الياء وضمها.
والمعنى متفق.
(فأَجمعوا كيْدَكمْ) ، أي اعزموا وأنفذوه.
وهذا من قول موسى على وَجْه الإسراع في مقصودهم لعِلْمه بباطلهم.
(فرجع موسى إلى قَوْمه) :
يعني بعد كمال الأربعين يوماً التي كلَّمه الله فيها في قوله: (وواعَدْنَا موسى ثلاثين ليلة) ، فتناول منها ورقةَ زيتون، فأمر بعشرة أخرى، فانظر بالله ورقة زيتون منعت متَناولها عن المراد، فكيف تنال مرادك مع تناول شهواتك، وخصوصاً إن كانت من ظلم للعباد.
(فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) .
أي في طاعتك لإبليس، فجعل المسبّب مع السبب.
فإن قلت: لم خصّ آدم بالشقاء والتوبة في قوله: فتاب عليه وهَدَى، وحوَّاء
كانت المتسببة؟
فالجواب: أن آدم كان نبيئاً وحوَّاء كانت من جملة الأولياء الذي يجب أن
يكون مأمون العاقبة، ومن شرط الولاية كثرة الْحُزن والخوف إلى آخر الزمان.
وخص آدم بالخطاب، لأنه كان المخاطب أولاً والمقصود بالكلام، وأَضاف
الإخراج إلى إبليس والإنزال إلى نفسه بقوله: (اسكنْ أنْتَ وزَوْجك الجنَّةَ)