لأن الضيف إذا كان كريماً لا يُخْرج ضيفَه من ضيافَتِه، فلما خرج قال له: يا آدم، أسكَنْتك في جوارِ العدو لتعصيه فيها، وتطيعني، فأقول هذا بذاك، والمحبة بيننا باقية، كذلك يوم القيامة يقول:
عبدي أنعمت عليك برضاك، وأطعتني برضائي، وعصيتني مخالفاً لأمري، دع الطاعة في مقابلة النعمة، والزّلَّة في مقابلة البليّة، والمعرفة بيننا باقية.
(فإمّا يَأْتِيَنَكم مني هدًى) :
إن الشرطية دخلَتْ عليها ما الزائدة وجوابها.
(فمن اتَّبع هدَاي فلا يَضِل ولا يشْقَى) .
أي لا يضلّ في الدنيا، ولا يَشقى في الآخرة.
(فلا تستعجلون) ، أي لا تستعجلون العذاب.
وقيل المراد هنا آدم، لأنه لما وصل الروح إلى صدره أراد أنْ يقومَ، وهذا ضعيف.
(فَعَلَهُ كَبِيرُهم هذا) :
ضمير الفعل للصنم، وذلك أنهم لما سألوه عمَّنْ كسر الأصنام قال لهم هذا القولَ، ومقصوده بذلك تبكيتهم لإقامة الحجة عليهم، كأنه يقول: إن كان إلهاً فهو قادر على أن يفعل، وإن لم يقدر فليس بإله، ولم يقصد الحقيقة الْمَحْضة.
فإن قلت: قد ورد في الحديث: أنَّ إبراهيم كذب ثلاث كذبات، إحداها هذه؟
والجواب: أن معناها قال قولاً ظاهره الكذب، وإن كان القصد به معنى
آخر.
ويدلُّ على ذلك قوله: (فَاسألوهمْ إنْ كانوا يَنْطِقون) .
وهذا التأويل أولى، لأن نفي الكذب يعارِض الحديث، والكذبُ الصراح لا
يجوز على الأنبياء عند أهل التحقيق.
وأما المعاريض فهي جائزة، وعلى تقدير جواز الكذب فإنما جاز له ذلك، لأنه فعله من أجل الله.