ثم يدعوهم الداعي فيتوجَّهون إلى ناحية المَحْشر كالجراد المنتشر، لأن الجرادَ
إنما تَوَجّهه أبداً إلى ناحية مقصودة، وبهذا يظهر لك الجَمْعُ بين الآيتين.
وروى البيهقي في الشعب عن النَّوَّاس بن سمعان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ما لي أراكم تتهافتون في الكذب تهافُتَ الفراش في النار، كلّ الكذب مكذوب إلا الكذب في الحرب أو الكذب لإصلاح ذات البَيْن، أو الكذب على امرأته ليرضيها.
قال الغزالي: ولعلك تظنّ أنَّ ذلك لنقْصانها وجهلها، فاعلم أن جَهْلَ الإنسان أعظم من جهلها، بل صورة الإنسان في الإكباب على الشهوات صورة الفَراش في التهافت على النار، فلا يزال يَرْمِي بنفسه فيها إلى أن يغمس فيها، ويهلك هلاكاً مؤبَّداً، فليت جهل الآدمي كان كَجَهْل الفراش، فإنما اغترارها بظاهر الضوء إن احترقت تخلَّصت في الحال، والآدمي يبقى في الحال أبَدَ الآبادِ، ومدة مؤبَّدة، ولذلك كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إنكم تتهافتون في النار تهافتَ الفراش وأنا آخذ بحُجزكم.
قلت: وقد قدمنا أن الفرش صغار الإبل كالعجاجيل والفصْلان، لأنها
تُفرش للذبح ويفرش ما ينسج من صوفها.
فإن قلت: ما سِرّ تقديم الحمولة على الفرش مع احتياج الناس إليها أكثر
ومنفعتها أهَمُّ؟
فالجواب أن الحمولة أعظم في الانتفاع، لأنها للأكل والحَمْل.
قال الفراء: ولم أسمع بالفراش يُجمع.
ويحتمل أن يكون مصدراً سُمِّيَ به، من قولهم: فرشها اللَه فَرْشاً.
(فرْقَان) :له ثلاثة معانٍ: القرآن، ومنه: (يَجْعَل لكم فرقاناً) ، أي تفرقة.
ويوم بَدْر، ومنه: (وما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرقان) .
(فَلَك) : سفينة، ويستوي فيها الفرد والجمع.