أحد، وقد خالف فيها المجوس الذين عبدوا الشمس وإنْ عبدوها فلم ينكروا
البَعْثَ بدليل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) .
والدهرية، قالوا: (مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا) .
وكان بعضهم يقول في هذه الآية: انظر كلامَهم، جعلوا أنفسهم مظروفين في
الشك، والشكَّ ظرفاً لهم، وكلامُ الرسل جعلوا الشك مظروفًا في أمر الله، أي في شأن الله، وجعلوا شأن الله ظرفاً له، وقالوا: هذا لوجهين: نَقْلِي وعقلي، أما النقليّ فلأنَّ الظرف أوسع من الظروف، فالشكّ محيط بالكفّار من جميع الجهات، وهم مفتقرون إليه، إذ المتحيز مفتقر إلى الحيِّز، والحالّ مفتقر إلى المحلّ لا بدَّ منه.
وقول الرسل: (أفي الله شَكٌّ) - جعلوا الشكَّ متحيزاً حالاًّ في أمر
الله، فأمْر الله أعْلَى منه وأكبر، فهو حَيِّز له، فهو إشارةٌ إلى تقليل الشكّ، أي لا يتصّور أن يقعَ شكّ في الله بوَجْه وإن قلَّ، فإذا أنكروا أن يكون أمر اللَه حيِّزاً للشك مع قِلته فأحْرَى أن يكون الشك حَيِّزاً له مع كثرته.
فإن قلت: أضاف الرسلَ إليهم ولم يقل رسلنا؟
قلت: تنبيهاً على أنَّ الرسل منهم بحيث يعلمون حالَهم، وأنهم لم يَعْهَدوا منهم كذباً، ولا علموا أنهم خالطوا سحَرةً، فدَل على أن ما جاءُوهُمْ به حقّ.
قال الفخر في المحصل: مذهبُ أهل السنة أنَّ الرسل ليس في خِلقتهم وبِنْيتهم زيادة علمية، ولا خاصية ذاتية اختصوا بها عنا، وما وُجد منهم من القوة على الوَحْي وغير ذلك فأمور عَرَضية، كالشجاعة للبطل.
ومذهبُ الفلاسفة أنَّ بنْيتهم مخالفةٌ لنا، ولا بدّ فيهم من خاصية ذاتية اختصُّوا بها عنا.
(قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ) :لم يثبت الخافض في الأولى وأثبته هنا، لأنها إما مقالة خاصة أو هي جواب عَن قولٍ صدرَ منهم، والمقالة الأولى لهم ولغيرهم.
وقيل: لما كان وجود الله تعالى أمراً نظريًّا ليس بضروري، وكَوْن الرسل
مثلهم أمراً ضروريًّا لا يحتاج إلى نظر لظهوره، فكأنه يقول: ما قالوا هذا إلا لهم