لا لغيرهم لغَفْلَتهم وغَبَاوتهم وجَهْلهم، كما أنً القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا
- ما يخَاطب بها إلا مَنْ هو في غاية الجهل والغَباوة.
وأجاب بعض النجباء أن قوله: (أفِي الله شكٌّ) - خطاب لمن عاند فيه، وهو
كالعاند في الأمر الضروري، فلذلك أسقط المجرور، لأن الْمجيبَ عن ذلك
يجيب به من حيث الجملة، ولا يُقْبِل بالجواب على المخاطب لغباوته عنده
ومعاندته، فيجيب وهو معرض عنه، بخلاف قولهم: (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، فإنه تقرير لمقالتهم، وتثبيتٌ لها، والمقر لمقالة خَصْمه
يُقبل عليه بالجواب، لأنه لم يبطل كلامه بالإطلاق، بل يقرِّرُه ويزيد فيه زيادات تبطل دعوى خصمه.
فإن قلت: لم جمع السبل في قوله تعالى: (وقد هَدَانا سُبلَنا) ، وقد ذكرتم غير مرة أن طريق الهدى واحدة؟
فالجواب أنه على التوزيع، فَلِكلّ رسول طريقٌ باعتبار شريعته وأحكامه.
قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) .
(قال إبراهيم رَبِّ اجعَلْ هذا البلد) : المراد به مكة.
وهذا الدعاءُ وقع من إبراهيم حين خلَّف هاجر (بِوَادٍ غَيْر ذِي زَرْع) ، فنفى القليل والكثير، والمراد ليس فيه لحم ولا شجر ولا ماء.
فإن قلت: آية البقرة مدنيَّة، وآية إبراهيم مَكية، والقاعدة أنَّ الاسمَ إذا كرر ذكرُه يأتي أولاً منَكَّراً وثانياً معرفاً؟
والجواب أن الإنسان إذا دعا أولاً إنما يَدْعو لشخص معَيَّن يقْصِده ويعيِّنه
في ذهنه، فإذا أَراد الدعاء يعيد نكرةً أو معرفة أو كيف ما كان، اكتفاءً
بحصول تعيينه أولاً.
وقيل: هذا تأكيد، هذا إذا قلنا إن المنزل أولاً هو المدعو به ثانياً، لأن الاسم إذا تقدم نكرةً ثم يُعاد فإنما يُعيده معرَّفاً، قال تعالى: (كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (15) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ) .