ولا تهتم من عقوبة معصيته.
أما علمْتَ أنَّ عقوبةَ غيبة الحبيب أشدّ من عقوبة الغضب.
غضبت زليخا ساعةً فأورثها خزْناً طويلاً، كانت تقوم الليل وتقول: يا
يوْسف، هل أنتَ نائم أو ساهر، أما أنا فأنا ساهرة من حبك، ليتني لم أمر بك إلى ما ترى! وأنت لا تخاف من غضب مَنْ لا يقوم لغضبه شيء.
فلا تحسبنَّ إمهاله لكَ إهمالاً، أما سمعتَه يقول: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) ، أي نؤاخذُهم قليلاً ولا نباغتهم كما يرتقي الراقي الدرجةَ
ْفيتدرّجِ شيئاً بعد شيء حتى يصلَ إلى العلوّ، قال بعضهم: معناه كلما جدَّدوا
ْخطيئة جدّدنا لهم نعمةً حتى نأخذهم بغتة.
(سَبعٌ شِدَاد) : يعني ذات شدة وجوع سَبْعَ سنين.
هذا تعبير الرؤيا، وذلك أنه عبَّر البقرات السمان بسبع سنين مجْدبة، وكذلك السنبلات الخضر واليابسة.
فإن قلت: ما وجه اختلافِ العددَيْن في هذه الآية وآية البقرة في قوله:
(سبع سنابل) ؟
فالجواب أن بابَ ما يجمع بالألف والتاء أن يكون للقليل ما لم ينص عليه أو
يعرض عارض، لأن آية البقرة مبنية على ما أعدَّ الله تعالى للمنفق في سبيله وما يضاعف له من أخر إنفاقه، وأن ذلك ينتهي إلى سبعمائة ضعف، وقوله: (وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ) ، قد يفهم الزيادة على ما نص عليه من
ذلك، كما أشارت إليه آياتٌ وأحاديث، فمَبْنى هذه الآية التكثير، فناسب
ذ ر ورود المفسّر على ما هو مِنْ أبنية الجموع للتكثير لحظاً للغاية المقصودة.
ولم يكن ما وَضْعه للقليل في الغالب لينَاسب ما لحظ فيه الغاية من التكثير.
أما آية يوسف فإنما بناؤها على إخبار الملك عن رؤياه: (سبع سنْبلات)
: فلا طريقَ هنا للَحْظِ قِلّة ولا كثرة، لأنه إخبار برؤيا، موَجْفه الإتيان
من أبنية الجموع بما يناسب المراد وهو قليلٌ، لأن ما دون العشرة قليل، فلحظ في آية البقرة وما بعدها مما يتضاعف إليه هذا العدد، وليس في آية يوسف ما يلحظ، فافترق القَصْدَان وجاء كلّ على ما يجب.