(سارِب) :
قد قدمنا أن (سَارِبٌ) عطف على (مُسْتَخْفٍ)
بالليل، لا على (مُسْتَخْفٍ) وحْدَه، وأما قوله: (فاتخذ سبيله في البحر سَرَبا)
، فمعناه أنَّ الحوتَ سار في البحر، فقيل: إن الحوتَ كان ميتاً
مملوْحاً ثم صار حيّا بإذن الله، ووقع في الماء، فسار فيه.
وقال ابن عباس: بل صار موضع سلوكه ماءً جامداً.
قال ابن عطية: وهؤلاء يتأوّلون سَرَباً بمعنى جَولاناً، من قولهم مَحَل سارب، أي مهمل يرْعَى فيه حيث شاء.
وقالت فرقة: اتخذ سَرَبا في التراب من المِكْتَل إلى البحر، وصادفَ في طريقه بَحْراً فثقبه.
وظاهر الأمر أن السرَب إنما كان في الماء.
ومن غريب ما رُوي في البخاري في قصص هذه الآيات أنَّ الحوت إنما حي
لأنه مستَه عَين هناك تَدْعى كين الحياة ما مستَتْ قطّ شيئاً إلا حيي.
ومن غريبه أيضاً أن بعضَ المفسرين ذكر أنَّ موضع سلوك الحوت عاد
حجرًا طريقاً، وأن موسى مشى عليه متبعاً للحوت حتى أفْضى به ذلك الطريق إلى جزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر.
وظاهر الروايات والكتاب أنه إنما وجد الخضر في ضَفة البحر يدلُّ عليه قوله: (فارْتَدَّا عَلَى آثارِهما قَصَصاً) .
وإنما ذَكر بعده: (واتَّخذ سبيله في البحر عَجَبا) - بالواو: لأنه يحتمل أن يكون من كلام يوشعَ لموسى، أي اتخذ الحوت سبيله عجباً للناس.
ويحتمل أن يكون قوله تمام الخبر، تم استأنف التعجب، فقال
من قبل نفسه: عجباً لهذا الأمر.
وموضع العجب أن يكون حوت قد مات وأُكل شقّه الأيسر تم حيي بعد ذلك.
قال أبو شجاع في كتاب الطبري: رأيته فإذا هو شقه حوت وعين واحدة
وشق آخر ليس فيه شيء.
قال ابن عطية: وأنا رأيته والشق الذي ليس فيه شيء
قشر له قشرة رقيقة تشفّ تحتها شوكة، وشقه الآخر.
ويحتمل أن يكون قوله: (واتخذَ سَبِيلَه) . الآية إخباراً من الله تعالى، وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذَ سبيلَ الحوتِ من البحر عجباً، أي تعجَّب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذَ سبيلَه عجباً للناس.