السيد، فجاء فعلها ماضيا إشارة إلى تأكد طلبها حتى كأنها واقعة.
وأيضاً مشيئة الله دائمة مستمرة، وإنابة العبد منقطعة، فهو إشارة إلى أن مَنْ أناب ليس على وثوق مِنْ بقاء إنابته واستمرارها في المستقبل إلا بهداية الله وتوفيقه.
والآية عندي صريحةٌ في مذهب أهل السنة، لقوله: (يَهْدي إليه) ، أي يخلق في قلبه الهدايةَ ويُرشده إليها.
وأناب إشارة إلى ماله في ذلك من الكسب.
ثم ذكر حالهم أنهم آمَنوا به واطمأنّت قلوبهم بذكره.
فإن قلت: كيف تطمئنُّ قلوبهم بذِكْرِه وقد ذكرهم الله في آية أخرى:
(الذين إذا ذكِرَ الله وَجِلَتْ قلوبُهم) ، فهذه اقتضت أنَ ذكر
الله موجب خَوْفه والوَجَلَ منه، والأولى اقتضت طمأنينة قلوبهم؟
والجواب: أنهم لما سمعوا ذكره تعالى حدث لهم خَوْف منه ووَجَل، ثم تعقبه
طمائينة وسكون، كما قال القائل.
وإنّي لتَعْزوني لذِكْرَاك فَترة
... كما انتفض العصفورُ بلَّلَه القَطَر
وقال ابن عبد السلام: معنى الأولى أنهم إذا أخبروا أنَّ الله تعالى ذكرهم
اطمأنَت قلوبهم وسكنَتْ، لأنهم يعلمون أنَّ ذلك رحمة منه بهم واعتناء
بذكرهم، وجاء قولهم: (إذا ذكِر الله وجلَتْ قلوبهم) على الأصل من حالهم، لأن حالهم الخوف، فإذا ذكر الله ازداد وَجَلهم وخوفهم من عقابه.
وهذا جوابٌ حسن.
وهذه أمور ذوقية لسنا من ذلك على ذوق، فلا القلب يطمئن ولا يوجل، اللهم أقِل العَثْرَة واغفر الزلة.
(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ) .
وجوابها مقدر، أي لا آمنوا به، والقضية الشرطية تقتضي نفيَ الأول لانتفاء الثاني، نحو: لو كان هذا إنساناً لكان حيواناً، لكنه ليس بحيوان فليس بإنسان.
وتارة تقتضي ثبوتَه لثبوته، نحو: لو لم يكن هذا حيواناً لما كان إنساناً، لكنه إنسان فهو حيوان.
وتارة تقتضي مجردَ الملازمة والارتباط، نحو: لو حضر زيد لحضر ثوبه،