والآية من هذا القسم، والعطف فيها تدلّ، لأن تسيير الجبال أقرب وأعجب لعظم جرمها وكونها جماداً لا يقبل الاتصاف بصفة الحيوان، والسير من صفة الحيوان، ولم يقع ذلك فيها بوجه، ثم يليه تقطيع الأرض لكثرة وقوعه، لاسيما ما قاله ابن عطية من أنه تفجير أنهارها.
ويليه تكليم الموتى، لأنه قد وقع لعيسى عليه السلام وغيره.
(ولقد استهْزِئَ برسُلٍ من قبلك) .
الآية: فيها دليلٌ على أنه لا أثر للاستهزاء على الكفر مع الكفر، لأن الاستهزاء كفر وزيادة.
وتعليق الحكم على الوصف المناسب يُشعر بغلبته له، والاستهزاء هو عَيْن الكفر، وهؤلاء لم يكونوا في زمن الفترة، بل كانوا مؤمنين بغيره، وما عُلِم كفْرهم به إلا من لفظ الاستهزاء، وفيها دليل على صحة العمل بالقياس، لأن الآيةَ سيقت مساق التخويف للكفار، والتسلية لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، وما وَجه التخويف إلا من ناحية أَن المشاركة في الوصف توجب التسوية في الحكم الناشء له، والكفار المعاصرون لنبينا مشاركون لمن سبقهم في الاستهزاء.
واقتضت الآية أنَّ مَنْ سبقهم عُوقب، فكذلك هؤلاء.
ولا معنى للقياس إلا إثبات حكم الأصل للفرع لعلة جامعة.
وتنكير لفظ (رسل) للتشريع، ولا يناسب التعظيم، ولا يحصل به التخويف.
لأنهم يقولون: إنما عُوقبوا أولئك على استهزائهم بعظماء الرسل فما يلزم منه
عقابنا نحن.
فإن قلت: كيف أكد هذا القسم باللام وقد مع أن الماضي بعيد عن زمن
الحال؟
والجواب: تنزيلاً له منزلةَ القريب، ليحصل كمال التخويف.
ولما أخبرهم بالإملاء فعلم العاقل منهم أنَّ الإملاء أشد من الإمهال بكثير، لأنه يتضاعف به العذاب، فأسرع إلى الدخول في الإسلام، وعَلم أن تيسير أسبابِ الوقوع من موجبات عذاب آخر، والأمر كذلك، لأنَ الله تعالى يقول: (إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا) .
ويحكون في مثل هذا أنَّ صبيّاً مسلماً