أولها إلى آخرها ذكر حال دنيوي لأحد، بل تضمَّنت حقارةَ الدنيا ونزارة
رزقها، وأنه مقدور غير مبسوط، وتلك حال الأكثر.
وقيل في الجواب غير هذا حذفناه لطوله.
(ويوم يناديهم فيقول أيْن شركائي الذين كنْتم تَزْعمُون) :
قد قدمنا أن هذا النداء من الله تعالى قديم متعلق بالذات القديمة، وإنما
يسمعهم اللَّهُ ذلكَ الخطابَ من غير واسطة مبالغةً في توبيخهمِ وتعذيبهم، ولذلك أدخل فيه همزة الاستفهام ونَسب الشُّرَكاء تعالى إلى نفْسه على زَعْمهم.
والمجيبون بقولهم: (قال الّذين حَقَّ عليهم القَوْلُ) ، هو كل مقولٍ داعٍ إلى الكفر من الجن والإنس، والنداء إنما وقع للتابعين والمتبوعين، لكن لما كان السؤال مسكتا لهم مبْهتاً فكأنه لا تعلّق لجمهور الكفرة إلا بالمغوين
لهم والرؤوس والأعيان منهم، فلذلك سارعوا إلى الجواب طمعاً في التبري من متبعيهم، وفي هذا الموطن صدر منهم الإقرار بربوبيته تعالى، إذ هو موطن
ظهورِ الحق وانكشافه.
فإن قلت: قد قلتم إنَّ دعاء الشركاءَ على جهة التعجيز، والمشركون يعلمون أنَّ الشركاء لا يجيبون، لأن الموطن ظهورُ الحق وانكشافُ الأمورِ فلم دَعَوا شركاءهم؟
والجواب: ليظهر عَجْرهم عن إجابة الدعوة على رؤوسِ الأشهاد، وتقوم
عليهم بذلك الحجة، فسبحانه ما أعظمه من لطيف يحبّ المعاذير وإظهار الحق، ينطق الجمادات والجوارح على المخلوقات حتى لا يجد الإنسان فراراً من قضائه وقيام الحجة عليه.
فإن قلت: كيف الجمع بين قولهم: (أغْوَيْنَاهم) ، وبين قولهم: (تبرَّأنا إليك) ، فإنهم اعترفوا بإغوائِهم وتبرَّأوا مع ذلك منهم؟
والجواب أنَّ إغواءهم لهم هو أَمْرهم لهم بالشرك.
والمعنى أنا حملناهم على