الشرك كما حملنا أنفسنا عليه، ولكن لم يكونوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون
الأصنام وغيرها، فتبرَّأنا إليك من عبادتهم لنا، فتَحصَّل من كلام هؤلاء
الرؤساء أنهم اعترفوا أنهم أغْوَوا الضعفاء وتبرءُوا من أن يكونوا هم آلهتهم، فلا تناقض في الكلام.
(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) .
اختلف في سبب نزول هذه الآية على أقوال، والظاهر منها عمومها فيمن
كان بمكة من المؤمنين يشْقَى بجهاد أبويه في شأن الإسلام أو الهجرة، فكان
القصد بهذه الآية النهي عن طاعة الأبوين في مِثْلِ هذا لعظم الأمْر، وكثرة
الخطر فيه، مع الله تعالى، ثم إنه لما كان بِرّ الوالدين وطاعتهما من الأمر الذي
قَررَتْه الشريعة، وأكدت فيه، وكان من القوي عندهم الملتزم قدَّم الله تعالى
النهي عن طاعتهما في قوله تعالى: (ووصينا) على معنى أنا لا نخلُّ ببر الوالدين، لكنا لا نسَلط على طاعة الله تعالى، لا سيما في معنى الإيمان والكفر.
و (حُسناً) : يحتمل أن ينتصب على المفعول، وفي ذلك تجوُّز، ويسهِّلُه كونه عامّا لمعان، كما تقول: وصيتك خيراً، ووصيتك شرًّا، عَبّر بذلك عن جملة ما قلت له، ويحسن ذلك "دون حرف الجر في قوله: بوالديه، لأن المعنى: ووصينا الإنسان بالحسنى في فِعله مع والديه.
والجمهور على ضَمِّ الحاء وسكون السين.
وقرئ "إحساناً"، ويحتمل أنْ يكونَ مصدرا من معنى وصَّيْنَا، أي وصينا وصية حسنة، وعَبّر عن أمر الوالدين بالجهاد مبالغة، فمن أمره أحَدُ أبويه بفعل شيء فيه رضا الله، فيقدم أمرهما إذا لم يخل بشيء من طاعة الله، فإن أخَلَّ فأمْرُ الله مقدم، إذ لا طاعةَ لمخلوق في معصية الخالق.
وإنما قال في هذه السورة: (لتشْرِكَ) ، لأنه وافَق ما قبله
لفظاً، وهو قوله: (ومَنْ جاهد فإنما يجَاهِد لنفسه) .
وفي لقمان محمول على المعنى، لأن التقدير وإن حملاك على أنْ تشرك.
وقيل: إن هذه الآية مبنية على الإيجاز، فناسب ذلك الاكتفاء باللام، وآية