وقد وَفّق اللهُ بعْض هذه الأمة لكظْم الغيظ، وعَفْوهم عمن ظلمهم، لو ذكرنا ذلك لطال ذكرهم، كالذي كان يناول طعاما لسيده فعثر ووقعَت الصحْفَة من يده، فقتل ابْنَ سيده، فدهش، فقال له السيد: لا رَوْع عليك! فقال الغلام: (والكاظِمين الغَيظَ) .
قال: قد كظَمْتُه.
فقال الغلام: (والْعَافِين عن الناس) .
فقال: قد عفوت.
قال الغلام: (والله يحبُّ الْمُحْسنين) ، فقال: قد أحسنتُ إليك.
اذهب فقد زوَّجتك ابنتي.
وآخر دخل على فرسه الذي كان يركبه، فوجده على ثلاث قوائم، فقال:
مَنْ فعل هذا، فقال له الغلام: أنا.
قال: ما الذي حملكَ على ذلك، قال: أردت أن أغمَّك.
فقال: لأغمنَّ الذي أمركَ بذلك.
اذهب فأنْتَ حُرٌّ لوجه الله.
هكذا فلتكن حالُك إن أردْتَ اللحوقَ بهم، وإلا ظنَّ مباينَة حالك لحالهم.
هؤلاء يملأ اللهُ قبورهم نوراً، كما ملأها في الدنيا إيماناً، وأما نحن فلا ندري ما نصير إليه لا نحن فيه من غَلبة النفس والهوى والشيطان.
(يَمُدُّونَهم في الْغَيِّ ثم لا يُقْصِرُون) :
قرئ بضم الياء وفتحها، ومعناها لا يقصر الشيطان على إمداد إخوانهم من الكفار، أو لا يقصر الكفار عن غيهم.
(يَسْألُونَكَ عن الأنفال) :
يعني أن الصحابة يوم بَدْر كانوا على ثلاث فرق: فرقة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تَحْرسُه وتُؤْنسه، وفرقة تبعت المشركين تقاتلهم، وفرقة أحاطوا بأسلاب العدوّ وعسكره لما انهزموا، فلما انجلت الحرْبُ
ونَصرَ الله نبيه رأت كلّ فرقة أنها أحق بالغنيمة من غيرها، واختلفوا فيما بينهم، فنزلت الآية: إن الأنفال، وهي الغنيمة، للهِ ورسوله.
وقيل الأنفال هنا ما ينفله الإمام لبعض الجيش من الغنيمة زيادة على حظه، فأعطاهم الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - ما غنموا وقَسمها بينهم، وفي بعض الغزوات قال لهم: لي معكم الخُمس، وهو مردود عليكم لزُهْدِه - صلى الله عليه وسلم - وإيثارِه الصحابة عليه.
وقد اختلف الفقهاء: