(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) تجد فيه تنبيهاً على أن الاشتراكَ في الإيمان يجبُ
أن يكون أدْعى شيءٍ إلى النصيحة، وأبعثه على إمْحَاض الشفقة، وإن تفاوتت الأجناسُ، وتباعدت الأماكن، فإنه لا تجانس بين ملك وإنسان، ولا بين سماوي وأرضيّ قطّ، ولما جمع الإيمان جاء معه التجانس الحقيقي، والتناسب الكلّي، حتى استغفر مَنْ حَوْلَ العرش لمَنْ في الأرض مع عظم أجرامهم وقُوّتهم، قال - صلى الله عليه وسلم -:
" أذِنَ لي أن أحدِّث عن ملك من حَمَلة العرش بين شحمة أذنه وعاتقه مسيرة
سبعمائة سنة ".
فانظر يا محمديّ ما أعظم قيمتك! الأنبياء والملائكة يستغفرون، ونبيّك أمر
إخوانك بالاستغفار لكَ، قال:
" من استغفر لوالديه وللمؤمنين والمؤمنات كل يوم خمساً وعشرين مرَّة أو سبْعا وعشرين - أحد العدديْن - كان من الذين يُسْتجَاب دعاؤهم، ويرزق بهم أهْلُ الأرض ".
ودعاء الأبدال أنْ تقول بعد كلَ صلاة:
اللهم أصْلح أمَّةَ محمد، اللهم ارحم أمةَ محمد، اللهم فَرج عن أمة محمد، اللهم اغفر لأمَّة محمد، ولجميع مَنْ آمن بك.
ولما دحا الله مبسوطَ بساطِ الأرض، ومهَّدَ مِهَادَها لترتيب المكونات فَخَرتْ
عليها السموات، فنكست رأس الانكسار، ومدَّت يدَ الاستعطافِ إلى عين الجود، فجادلها بقَطْعِ حجة مَنْ جادلها:
(يا سماء) :
إنْ كنت فخرتِ بالشمس لظهور الموجودات، فأين مثل شريعةِ نبينا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - في ظهور الغَيْب، شمْسُ السماء لها
أفول، وشمس شريعةِ محمدٍ ليس لها أفول.
وإن افتخرت بحسن القمر ونوره فأينك من حسن سُنَنِه المشرق ونوره إذا
كُسِفت شمسك، وخسف قمرك، فالشفاعة من أهل الأرض، والشافعُ أفضلُ من المشفوع فيه.
وإن افتخرتِ بالنجوم للاهتداء فنجومُ الصحابة معلومة للاقتداء على مقعد