فرفعت رأسي، وقلت: إلهي لي على بابك أربعون سنة، ولم أنَلْ ما نال هذا في ساعة، فسمعت هاتفاً يقول: ذلك فَضْلي أوتِيه من أشاء.
وأنت يا محمديّ تتلوها كلَّ ساعة ولا ترجع إلى ربك! أهكذا شأن مَنْ يريد
الرجوعَ إلى اللَه! كلاّ والله، ليس ثَمَّ رجوع ولا ندم، وإنما هو انهماك في
المعاصي وقلةُ الخضوع، إلهي لا التوبة تدوم لي، ولا المعصية تنصرف عني، ولا أدري بمَ يخْتم لي، غير أنَّ سابقة الحسنى أوجبت لي حسْنَ الظنّ، وقد قلتَ: أنا عند حسْن ظَن عَبْدِي بي فليظنَّ بي ما شاء، فهَبْ لي توبةً منك باقية، واصرف أزمةَ الشهوات عني، وامْح زينتها من قلبي بزينة الإيمان بجاه سيد الثقلين عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم، ما اختلف الْمَلَوَان.
(ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتابَ من قَبْل فطال عليهم الأمد) .
عطف: (ولا يكونوا) على (أنْ تخشع) .
ويحتمل أن يكون نَهْياً، والمراد التحذير من أن يكون المؤمنون كأهلِ الكتب المتقدمة، وهم اليهود والنصارى، في حِرْصهم على الدنيا وعرف هممهم إليها، فكم خوَّفَنا سبحانه ونهانا قولا وفعلا، أدَّب الملائكة بإبليس: بعد عبادة ثمانين ألف سنة ترك سجدةً طُرِد.
أبونا آدم عليه السلام بأكلة لم يُؤْذَن له فيها، أهْبِط إلى الأرض وبكى مائتي سنة، وأتعب ذريته (1) .
نوح عليه السلام بكلمة (إني أعِظك) لم يرفع رَأسَه حيا - أربعين سنة (2) ، فالحذَر مِنْ مَيْل إلى دُنْيَا تعدك بمال، فإنه مهلك، كبلعام سلب ولم يقبل أبدا، وكان يعلم الاسْمَ الأعظم.
وبرصيص العابد بعد عبادة مائةِ سنة قرنه الله مع إبليس في قوله تعالى مثَله
(كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) .
وَتأمّل الحدودَ المرتبَة على الذنوب مِن حدّ قطع عضو فيِ خمسة دراهم.
ولو لم يكن من التخويف "إلا قوله تعالى: (إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) ، وإذا سأل الصادقين عن صدقهم فكيف بمن عصى؟
قال بعضهم: الصدق على ثلاث مقامات: صدق في العزم، وصدق في