ويتفاوت التأكيد بحسب قوة الإنكار وضعفه، كقوله تعالى حكاية عن رسل
عيسى إذ كذبوا في المرة الأولى: (إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) .
فأكد بأن، واسمية الجملة.
وفي المرة الثانية: (رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) .
فأكد بالقسم، وإن، واللام، واسمية الجملة، لمبالغة المخاطبين في
الإنكار، حيث قالوا: (مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15) .
وقد يؤكد بها والمخاطب به غَيْرُ منكر، لعدم جَرْيه على مقتضى إقراره.
فينزل منزلةَ المنكر.
وقد يترك التأكيد وهو معه منكر، لأن معه أدلة ظاهرة لو تأملها لرجع عن
إنكاره، وعلى ذلك يخرج: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) .
أكد الموت تأكيدين، وإن لم ينكر، لتنزيل المخاطبين - لتماديهم في الغفلة - تنزيل من ينكر الموت.
وأكد إثبات البعث تأكيداً واحداً وإن كان أشد نكيراً، لأنه لما كانت أدلته ظاهرة كان جديرا بألا ينكر، فنزل المخاطبون منزلة غير المنكر، حثاً لهم على النظر في أدلته الواضحة.
ونظيره قوله تعالى: (لا رَيْبَ فيه) .
نفى عنه الرَّيْبَ بلا على سبيل الاستغراق، مع أنه ارتاب فيه المرتابون، لكن نزل منزلة العدم، تعويلاً على ما مرّ به من الأدلة الباهرة، كما نزل الإنكار منزلة عدمه لذلك.
قال الزمخشري: بولغ في تأكيد الموت، تنبيهاً للإنسان على أن يكون الموت
نصب عينيه، ولا يغفل عن ترقُّبه، فإن مآله إليه، فكأنه أكد جملته ثلاث مرات لهذا المعنى، لأن الإنسان في الدنيا يسعى فيها غايةَ السعي حتى كأنه يخلد،