ولم يؤكد جملة البعث إلا بأن أبرز في صورة المقطوع به الذي لا يمكن فيه نزاع ولا يَقْبل إنكارا.
وقال التاج بن الفركاح: أكد الموت ردا على الدهرية القائلين ببقاء النوع
الإنساني خلفا عن سلف، واستغنى عن تأكيد البعث هنا، لتأكيده، والرد على منكره - في مواضع، كقوله تعالى: (بَلَى وربّي لتبْعَثنَّ) .
وقال غيره: لما كان العطف يقتضي الاشتراك استغني عن إعادة اللام لذكرها
في الأول.
وقد يؤكد بها للمستشرف الطالب الذي قدم له ما يلوّح بالخبر، فاستشرفت
نفسه إليه، نحو: (ولا تُخاطِبْنَي في الذين ظَلموا) أي لا تَدْعني يا نوح في شأن قومك، فهذا الكلام يلوح بالخبر تلويحاً، ويشعر بأنه قد
حق عليهم العذاب، فصار المقام مقام أن يتردد المخاطب في أنهم هل صاروا
محكوماً عليهم بذلك أم لا.
فقيل: إنهم مغرقون - بالتأكيد.
وكذا قوله: (يا أيّها الناس اتَّقوا ربكم) .
لما أمرهم بالتقوى، وظهور ثمرتها، والعقاب على تركها محله الآخرة، تشوّفت نفوسهم إلى وصف حال الساعة، فقال: (إنّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيء عظيم) - بالتأكيد، ليتقرر عليه الوجوب.
وكذا قوله: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي) ، فيه تحيير للمخاطب، وتردد في أنه كيف لا يبريء نفسه، وهي بريئة زكية ثبتت عصمتها وعدم مواقعتها السوء، فأكده بقوله: (إنّ النَّفْسَ لأمَّارَة بالسّوء) .
وقد يؤكد لقصد الترغيب، نحو: (فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
أكد بأربع تأكيدات، ترغيباً للعباد في التوبة.