وأما التوشيح فهو أن يكون في أول الكلام ما يستلزم القافية.
والفرق بينه وبين التصدير أن هذا دلالته معنوية، وذلك لفظية، كقوله تعالى: (إنّ اللهَ اصْطَفَى آدم
... ) . آل عمران: 33، الآية، فإن اصطفى يدلُّ على أن الفاصلة العالمين لا باللّفظ، لأن " العالمين " غير لفظ " اصطفى "، ولكن بالمعنى، لأنه يعلم أن من لوازم اصطفاء شيء أن يكون مختاراً على جنسه، وجنس هؤلاء المصطفين "العالمين".
وكقوله: (وآيةٌ لَهُمُ الليلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَار
... ) الآية.
قال ابن أبي الإصبع: فإن من كان حافظاً لهذه السورة متَفَطِّناً إلى أن
مقاطع آيها النون المردفة، وسمع في صدر الآية انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة " مظلمون "، لأن من انسلخ النهار عن ليله أظلم، أي دخل في الظلمة، ولذلك سمي توشيحا، لأن الكلام لما دل أوله على آخره نزّل المعنى منزلة الوشاح، ونُزل أول الكلام وآخره منزلة العاتق والكشْح اللذين يجول.
عليهما الوشاح.
وقسم البديعيون السجع ومثله الفواصل إلى أقسام: مطرَّف، ومتَواز، ومتوازن، ومرصّع، ومتماثل.
فالمطرف: أن تختلف الفاصلتان في الوزن ويتفقا في حروف السجع، نحو:
(مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) .
والمتوازي: أن يتفقا وزنا وتقفية، ولم يكن ما في الأولى مقابلاً لما في الثانية
في الوزن والتقفية، نحو: (فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (13) وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (14) .
والتوازن: أن يتفقا في الوزن دون التقفية، نحو: (وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16) .
والمرصع: أن يتفقا وزناً وتقفية، ويكون ما في الأولى مقابلاً لما في الثانية
وذلك، نحو: (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26) .
(إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) .