وصرفه عنهم، وإنما أبقَ من قومه لخوفه من القتل، وسمي أبّاقاً في قوله تعالى:
(إذْ أبقَ إلى الفُلْكِ الْمَشْحُون) .
وقيل: إنه لما وعد قومه بالعذاب ولم يُصبهم بسبب إيمانهم أخَذَتْه غضْبَةٌ كما ذكر الله عنه.
والأول أصح.
فانظر قدرك، يا محمديّ، عند ربك، واشكره إذ هداك للإيمان بهذا النبي
الكريم.
وفي الخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت هذه الآية قال: يا ربّ، أمرتني أن أعاملَ أمتي بخلاف سائر الأمم، فعامِلْهُم أنت كذلك.
فأوحى الله إليه: هم أمتُك، وهم عبيدي، وقد أعطيتك الشفاعة فيهم، فكيف تضِيع أمةٌ أنتَ شفيعها وأنا رحيمها، فالحمد للَه الذي جعلنا من هذه الأمة، وخصنا بهذا النبي الكريم.
(كوَاعِبَ أتْرَابا) : الكاعِب الجارية التي خرج ثديها، وهي
أحبّ إلى الرجل لصغرها.
(كافُورا) : أي في طيب رائحته، كما تمدح طعاما فتقول:
هذا مسك.
وذكر الجواليقي وغيره أنه فارسي.
(كَالُوهم) : بمعنى كالوا لهم.
يقال: كلتك وكِلْتُ لك، ووزنتك ووزنت لك، بمعنى واحد.
وحذف المفعول الثاني وهو المكيل والموزون.
وهم ضمير المفعول للناس، فالمعنى إذا كالوا للناس، أو وزنوا لهم
طعاماً أو غيره مما يكال أو يوزن بخسوهم حقوقهم.
وقيل إنَّ "هم" في قوله: كالوهم ووزنوهم تأكيد للضمير الفاعل.
وقد رُوي عن حمزة أنه كان يقفُ على
كالوا ووزنوا، ثم يبتدىء ب "هم" ليبين هذا المعنى، وهو ضعيف من وجهين:
أحدهما أنه لم يثبت في المصحف ألف بعد الواو في كالوا ووزنوا، فدل ذلك
على أنَّ همْ ضمير المفعول.
والآخر أن المعنى على هذا أنَّ المطففين إذا تولوا الكيل أو الوزن نقصوا.
وليس ذلك بمقصود، لأن الكلام واقع في الفعل لا في المباشر، ألا ترى أن
اكتالوا على الناس معناه قبضوا منهم، وكالوهم ووزنوهم معناه دفعوا لهم، فقابل القبض بالدّفْعِ، وأما على هذا الوجه الضعيف فهو خروج عن المقصود.