فإن قلت: ظاهر سؤالهم نزول المائدة من عيسى عليه السلام يقتضي شكهم في قُدْرةِ اللهِ على إنزالها؟
والجواب أنهم لم يشكُّوا في قُدْرَةِ الله، لكنه بمعنى هل يفعل ربُّك هذا، وهل
تقع منه إجابة إلينا، لأن الله أثنى على الحواريّين في مواضع من كتابه، مع أن في اللفظ بشاعةً تُنْكر.
وقد قرئ: تستطيعُ ربَّك - بالنصب، أي هل تستطيع سؤال ربّك، وهذه
القراءة لا تقتضي أنهم شكّوا، وبها قرأت عائشة رضي الله عنها، وقالت: كان الحواريون أعرف بِرَبّهم من أن يقولوا: هل يستطيع ربك أن ينزِّلَ علينا مائدة من السماء، فموضع (أن) مفعول بقوله: يستطيع، على القراءة بالياء، ومفعول بالمصدر وهو السؤال المقدّر على القراءة بالتاء.
(وَمَا تأْتيهم مِنْ آيةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهم) : (مِنْ) الأولى زائدة، والثانية للتبعيض أو لبيان الجنس، وهذا الخطاب للكفار.
(مَلَكوتَ السَّمَواتِ والأرْضِ) : قال عِكْرِمة: هو الملك، ولكنّه بكلام النبطيّة ملكوت.
وقال الواسطي في الإرشاد: هو الملك بلسان
القبط، ومعناه أن الله فرج له السماوات والأرض حتى رأى ببصره الملك الأعلى والأسفل، وهذا يفتقر لصحة نَقْل.
وقيل: رأى ما يراه الناس من الملكوت، ولكنه وقع له بها من الاعتبار
والاستدلال ما لم يقَعْ لأهل زمانه.
وقيل إنما ابْتلِي بِذَبْحِ وَلَدِه، لأنه رأى في هذا الكَشْف عاصياً، فدعا الله
بهلاكه، وكذلك ثان وثالث، فقال الله: احجبوه.
وابتلاه بذبح ولده، فقال: يا ربّ صبِّرْني، فإنك ابتليتني بما لم تبتل به أحداً قبلي، فنزل عليه جبريل، وقال له: يا إبراهيم، أما تذكر يوم كَشفَ الله لك الملكوت، ودعوت على عباد الله بالهلاك، أهلكْتَ له ثلاثاً، وهو طلب منك واحداً، فقال: يا جبريل، وهل تبلغ