فالجواب إنما جمع العنب لظهور الاختلاف في أنواعه، لأن منه الأبيض
والأكحل والأحمر، فالاختلافُ في أنواعه بالطعم واللَّوْن والجرم، والتمر إنما
الاختلاف في أنواعه بالطعم والجرم فقط.
وأفرد الآية الأولى لأنها تقدمتها آياتٌ سماوية، وهي أكثر من الآيات الأرضية، لخَلْق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس، ويقال: إنما جمع الثانية إشارة إلى أنها هي والأولى آيات.
ويحتمل أن يقَال لما كانت الثانية نعمةً سماوية وهي أشرف وأجْلَى وأظهر من
النعمة الأرضية جعل كل واحد على انفراده آيات لشهرته وظهوره، أو لأن
المذكورات أولاً راجعة إما لمجرد القوت أو لوصف النبات، وكلاهما شيء
واحد، بخلاف الثانية.
وقال في الأولى: يتفكرون، لأنها أمور عادية، إذ حصول الشراب والشجر
عن الماء أمر عادي، وقد لا يكون عنه شيء.
وتسخير الليل والنهار والشمس والقمر أمر عقلي، وليس بعادي.
والثالث يقال لمن آمَنَ بالحجة والدليل بعد أن
كان نسيه فهو أمر تذكري، فلذلك قال: لقوم يذكرون.
فإن قلت: هل التذكّر والتفكر بمعنى واحد أم لا؟
والجواب أن التذكّرَ ثَانٍ عن التفكر، ولهذا اختلفوا، فذهب بعض الحكماء إلى أن العلوم كلها تذكرية، وأن النفوس كانت عالمة لكل علم، فلما خالطت الأبدان ذهب عنها ذلك، فكل ما تعلمه إنما هو تذكر لما كان وذهب.
ومذهب الجمهور أن أكثرها تفكر، وبعضها تذكّر، فالتفكر لما لم يكن
يَعْلمه، والتذكر لما علمه ونسِيَه، فلذلك جعله ثالثاً.
وقال ابن الخطيب: التفكر إعمال الفكر لطلب الفائدة، والمذكوراتُ معه
راجعةٌ لباب القوت، وكل الناس محتاج إليه، فعند ذلك يتفكرون النعم بها
فيشكرونه.
وأما الثانية فتدبرها أعْلَى رتْبَة إذ منافعها أخفى وأغمض، فيستحق
صاحبها الوصف بما هو أعلى وأغمض وهو العقل.
(مَوَاخِرَ فيه) :جمع ماخرة: يقال مَخَرت السفينة،