تعالى: (وما كنْتَ بِجَانبِ الطّورِ إذْ نادَيْنَا) .
ولم يكن وجد رؤيته فكيف يعطيه رؤيته، ولا وجد له لذة، كأنه قال له: لن تراني بعين الحبيب وأمَّتِه حتى تكون معهم، ثم تراني، وأيضاً قد أعطاه الله رؤية القلب من غير سؤال، فلا يجوز في الحكمة أن يعطيه رؤيةَ البصر بالسؤال، وكأنَّ رؤية القلب أعظم وأفضل من رؤية البصر، لأنَّ رؤيةَ البصر مؤقتة، ورؤية القلب دائمة.
قال المخزومي: إنما لم يعطه الرؤية، لأنه قال في أزله: (لا تدْرِكه الأبصار) .
يعني في الدنيا، فمنعه الرؤية حتى يتحقَّق ما قال، كما أنَّ آدم
عليه السلام لما قال الله: (إنّي جاعلٌ في الأرض خليفة) - قضي عليه بالمعصية والخروج من الجنة، حتى يتحقق قوله.
وأيضا لما كان نوره يغلب الأبصار حفظ بَصَره، وكيف يستطيع النور الضعيف الثبات مع القوي، ونحن نشاهد بعض البصر يذهب بنورِ البرق.
فإن قلت: لِمَ لَمْ تَصِرْ قلوب العارفين دَكًّا كالجبل وهو يتجلَّى لهم في كل
ساعة؟
والجواب: لما تعوّدت القلوب جمالَه ونورَه مّنذ خلقها فاطمأنّت وسكنت.
ولو كانت ساعة لدكَّت القلوب كالجبل، فمن ادَّعَى رؤيته بالقلب يصدق قوله بخلاف البصر.
(مَن استَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِين) :
هذا من قول صفورا لأبيها، فقال لها: ما رأيتِ من قوّته وأمانته، فقالت: رفع الحجر الذي على رأس البئر وحده، ولا يرفعه إلا أربعون رجلاً، وكنت أمشي أمامه، فقال: تأخَرِي حتى لا يقع بصري على أعضائك، وجعلت هذه المخاطبة رغبة فيه، لكنها كتمت محبته كزليْخا، قالت: (عسى أنْ ينفَعنا أو نتخذه وَلدا) .
وكذلك خديجة بنت خويلد جعلت خدمة سيدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - سبباً للاتصال به، وكذلك أنت يا محمدي، جعل الله لك امتثالَ الأوامر واجتناب النواهي سبباً لإقباله عليك ومواعدتك الجنة إكراماً لك ومحبة فيك، فلما سمع شعيب مقالة ابنته ركب فيه وقال: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)