فقال موسى: ليس لي قدرة على المهر.
قال شعيب: (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ) ، فرضي موسى.
وجمع شعيب أهْل بلده وعقد النكاح، وسلمها إليه.
قال السدِّي: أتى ملك إلى شعيب بعصا موسى، وكانت من سِدْرةِ المنتهى.
نزلنها آدم من الجنة.
وقيل مِنْ آس فورثها شيث، ثم إدريس، ثم نوح، ثم هود، ثم صالح، ثم لوط، ثم إبراهيم، ثم يعقوب، ثم الأسباط، ثم إلى شعيب.
فقال لموسى: ادخل البيت، وخذ عصا من بين العصيّ، واذهب نحو الغنم، فدخل موسى وخرج بعصاه، فرآه شعيب، وقال هذه أمانة، ردّها إلى موضعها، وخذ الأخرى، فرجع ووضعها، وأراد أخْذَ الأخرى.
فدخلت هذه العصا في يده، وكلما جهد أن يأخذ الأخرى لم يقدر، فأخذ تلك العصا، وذهب نحو الغنم، فقال شعيب: قد ذهب بأمانة الغير، فألحَقه واستردها منه، فأدرك موسى وقال: أعطني العصا، فأبى موسى من إعطائه، فتنازعا واتفقا على أن يحكم بينهما مَنْ لقيهما أولاً، فلقيهما ملك على صورة آدمي، فقال: احكم بيننا.
فقال: يا موسى، ضع العصا على الأرض، فإن قدرْتَ أن ترفعها فهي لك، وإن قدر على رَفْعها هو فهي له، فوضع العصا على الأرض، فجهد شعيب على رَفْعها فلم يقدر ألبتَّة، فتناولها موسى بيده ورفعها من وقته، وظهرت منها معجزات كثيرة قدمناها (1) .
وكذلك بالخاتم الذي جعله الله العهْد بينه وبين خَلْقه.
وخمس أوراق من التين التي كانت تستره: الواحدة أكلتها الظِّباء فصارت
مِسْكا، والثانية أكلتها الحوت فصارت في بطنها عنبراً، والثالثة أكلتها النحل
فصارت عسلاً.
والرابعة الدود فصارت في بطنها إبريسماً.
والخامسة جميع الأشجار التي في العالم.
والمقام جعله الله آية بيّنة ومصلّى للمسلمين.
فتأمل يا محمدّي من اتَّصف بالأمانة من عند الله، وعند خلقه، فإن اتصفتَ
بها كم لك من تشريف! ألا تراه يقول: (ألست بربكم) ، وقال: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) .