كأنه يقول: عبدي ليس لي حاجةٌ لطاعتك وخِدْمتك، ولكن أمرتك بالطاعة والعبادة، وحملت عليك البلاءَ والمشقة، وطلبت منك النفس والمال والطاعة في جميع الأحوال، لتعلم أنَّ مرادي منك الوصال، وإنما جعلت الأعمال لقطع تهمة الكفار وطعْنهم.
فإن قلت: يشتري أنفسهم وهي له، ولم يقل قلوبهم؟
والجواب إنما قال ذلك على طريق الانبساط، كسيّد يقول لعبده: أقرضني
كذا وكذا، واشتر منّي كذا، والمال والنفس له، وإنما أراد أن يريه كمال لطافته بتمام محبته، وأيّ حاجة له في ثمن ببيعك، ولكن ليكون فخرك أكبر، وتعلم أنه يحبُّك ويرضاك، لأن السيد لا يشتري العبد إلا لمحبته فيه، ولا يرضاه عبداً لغيره، ولا يطلب حوائجه إلا منه، وقال أنفسهم، لأن أنفسهم معيوبة، والقلوب نقية، فاشتراء العيوب يدل على أنه لا يرده لعلمه بالعَيب، فاشتراؤه لك يا محمدي، دليل على أنه يريد إصلاح عَيْبك، ومَنْ كان قادراً على إصلاح عيْب السلعة لا يردها في الشاهد، (وَمَنْ أَوفَى بِعَهدِه من الله) .
فأوف بعهده، كما قال: (أَوْفوا بعَهْدِي أوفِ بِعَهدِكم) .
فلو أراد إبليس أنْ يغْوِيك ويدعو ما ليس فيك لم يقدر، لأن المشتري الأول هو اللَه، والثمن هو الجنّة، والدال على هذا البيع هو رسولنا وحبيبنا، ولذلك دخل الجنة ليلةَ المعراج ليصف لنا الثمن وكيفيته، فأبشروا يا أمة محمد، فأنتم خير أمة، سمّاكم الله أمّة الهداية والدعوة والفضيلة والخير، وسماكم بأسماء الخليل، وأعطاكم خِصَال الكليم، وأكرمكم بإكرام نبيكم الحبيب، قال تعالى في الخليل: (إنّ إبراهيم كان أُمَّةً) .
وقال: (كنتم خَيْرَ أمّة) .
وقال: (إن إبراهيم كان أمّةً قانِتا لله) .
ولكم: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ) .
وقال للخليل: (حَنِيفاً) ، ولكم (حنَفَاء ويقِيموا الصلاة) .
وقال في إبراهيم: (شاكرا) . مسلماً. وفياً.
وفيكم: الصابرين. والمسلمين. والشاكرين. و (يوفون بالنَّذْر) .
وقال في إبراهيم: (صدّيقاً نبيًّا) .
وفيكم: (أولئك هم الصديقون) .
وقال في إبراهيم: رحيما،