والثاني: أن مدح الانتصار لكونه كان بعد الظلم تحرّزاً ممن بدأ بالظلم، فكان
المدح إنما هو بترك الابتداء بالظلم.
والثالث: أنه إن كانت الإشارة بذلك إلى علي بن أبي طالب فانتصاره - صلى الله عليه وسلم - محمود، لأن قتال أهل البغي واجب، لقوله تعالى: (فقاتلوا التي تَبْغي) .
وقد سمَّى - صلى الله عليه وسلم - المقاتلين لعليٍّ بالفئة الباغية، وقال لعمار تقتلك الفئة الباغية.
(مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) :القصد بهذه الآية شئان:
أحدهما: تعداد النعمة عليه - صلى الله عليه وسلم -، بأن علّمه الله ما لم يكن يعلم.
والآخر احتجاج على نبوءته، لكونه أتى بما لم يكن يعْلَمه ولا تعلّمه من
أحد.
فإن قلت: أما عدم درايته للكتب فلا إشكال.
وأما الإيمان فلا إشكال أن الأنبياء مؤمنون بالله قبل مبعثهم، لكنه وقع الخلاف في نبينا، هل كان متديّنا بشريعة مَنْ قَبْله أو بشريعته؟
والجواب الإيمان يحتوي على معارف كثيرة، وإنما كمل له معرفتها بعد
بعثه.
وقد كان مؤمنأ بالله قبل ذلك، فالإيمانُ هنا يعني به كمال المعرفة، وهي
التي حصلت له بالنبوة، ولهذا أشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " كلّ يوم لا أزْدَاد فيه علماً لا بورِك في صبيحة ذلك اليوم "، فكان - صلى الله عليه وسلم - يزداد كل يوم من المعارف ما لا يُحصى ذِكره.
وأما في الجنة، فلا تسأل عما تنكشف له من المعارف اللدنيَّة
والأسرار الربانية، ويفيض منها على هذه الأمة المحمدية، لكل واحد منهم
نصيب بقدر ما اتّبعه واقتدى به، فهم يزدادون معارفَ وجمالاً وبهجة وسروراً، ما لا يحيط بها إلا واهبها، جعل الله لنا منها أوْفَر نصيب بجاه النبي الحبيب.
(مَضَى مَثَل الأَوَّلين) .
أي تقدم لك يا محمد كيف أهلكنا