الحياة، قال تعالى: (ومَا مِنْ دَابّةٍ في الأرض إلا على الله رِزْقها) .
وأما رزق المتقين فوعْدُ الله لهم أن يأتيهم بسهولة من غير تَعب، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "تكفّل اللَّهُ لطالب العلم برزقه".
وفي حديث آخر: "استنزلوا الرزق بالصدق".
مصداقه قوله تعالى: (ولو أنَّ أهْلَ الكتاب آمَنوا واتّقَوا لكفَّرْنا عنهم
سيئاتهم) .
فبيَّن لك سبحانه أنهم لو عملوا بما في التوراة والإنجيل لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أي لَوَسَّعْنا عليهم أرزاقنا، وأغدقنا عليهم إنفاقَنا، لكنهم لم يفعلوا ما نحبّ، فلذلك لم نفعل ما يحبون.
وانظر كيف تكفّل الله سبحانه بالرزق لعباده تعريفا بوداده، ولم يكن ذلك
واجباً عليه، بل أوجبه على نفسه إيجاب كرم وتفضّل، كأنه يقول: أيها العبد ليست كفالتي ورزقي خاصّاً بك، بل كلّ دابة في الأرض أنا كافِلها ورازقها، وموصِّل إليها قوتَها، فاعلَمْ بذلك سعةَ كفالتي، وغناء ربوبيّتي، وأنَّ شيئاً لا يخرج عن إحاطتي ورعايتي، فثِقْ بي كفيلاً، واتخذني وكيلاً، فإذا رأيتَ ذكري لأصناف الحيوان، ورعايتي إياها، وقيامي بحسن الكفالة لها وأنت أشرف هذا النوع، فأنت أولى بأن تكون لكفالتي واثقاً، ولفضلي رامقاً، ألا تراني قلت: (ولقد كرَّمْنَا بَني آدَم) ، أي على سائر أجناس الحيوان إذ دعونِاهم إلى خدمتنا، ووعدناهم دخول جنتنا، وخطبناهم إلى حضرتنا، ومما يوضَح لك كرامة الآدمي على غيره من المكونات أن المكونات مخلوقات من أجله، وهو مخلوق من أجل حضرة الله، فإذا علمت أن الأكوان مخلوقة من أجلك إمّا انتفاعا وإما اعتباراً، وهو نفع أيضاً، فينبغي لك أن تعلم أن الله سبحانه إذا رزق مَنْ هو مخلوق من أجلك كيف لا يكون لك رازقاً، فاستَحْييِ منه أن تكون بعدما كساك حُلّةَ الإيمان، وزَيّنَك بزينة العرفان، أن تستَوْلِيَ عليك الغفلة والنسيان، حتى تميل إلى الأكوان، أو تطلب من غيره وجوهَ امتنان.
وقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمَنوا أوْفوا بالعقود) .
ومن العقود التي عاقدْتَه عليها ألا ترفع حوائجك إلا إليه ولا تتوكل إلا عليه، ولازِم