أحداً من العالمين، فالتقَمته ومشَتْ به البحار كلَّها تفخر على أبناء جنسها، حتى نبذَتْه بالعراء وهو سقيم بعد أربعين يوماً.
وروِيَ أن الحوت صام أربعين يوماً.
وأنتَ يا محمدي، أكرمك الله بالقرآن، وفضّلك بالإيمان، ولا تمتنع عن
الآثام، ولا تفخر على أبناء جنسك.
ولما خسف اللهُ بقارون، واستغاثت الأرضُ، وقالت: اللهم كما أريتنا عدوّاً
من أعدائك فأرِنا حبيبا من أحبابك لنتسلّى برؤية الحبيب.
وكذلك بيت المقدس لما خَرَّبه بخْت نَصّر استغاث بالله، فأراه الله نبينا
- صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء، وهذه هي الحكمة في إسْرائه من بيت المقدس.
ولما أوحى اللَّهُ إلى البحر أنْ ينفلِقَ لفرعون حتى يدخلَ فيه استغاث، فدخل
فيه موسى أمامَه.
وكذلك النار لما علمت أنها دارُ أعدائه سألتْه أن يريها أحبّاءه، فأدْخل
المؤمنين النار لتتسلَّى برؤية الأحبّاء عن رؤية الأعْداء، قال تعالى: (وإنْ منكم
إلاّ وَاردهَا) .
والمقصود بورودهم إجابة دعوة النار لا الإحراق.
قال تعالى: (ثم نُنَجِّي الذين اتقَوْا ونَذَرُ الظالمين فيها جِثِيّا) .
واعلم أنَّ الله تعالى ابتلى تسعة من الأنبياء فوجدوا تسعة أشياء:
ابتلى آدمَ بوسوسة الشيطان فوجد التوبة، وإبراهيم بالنار فوجد الخلّة، وإسماعيل بالذبح فوجد الفداء، ويعقوب بالشدَّةِ والقَحْط فوجد الفرج، والملك، ويوسف بالسجن فوجد الصديقية، وأيوب بالبلاء فوجد الصبر، ويونس بالحوت فوجد النجاة، ونبينا محمدا - صلى الله عليه وسلم - باليتْم فوجد العزّة، قال تعالى: (فكان قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى) .
وسليمان ابتلاه الله بزوال الملك فوجد الإنابة.
وسبب زوال ملكه أنه نظر إليه فابتلاه اللهُ بإلقاء الجسد على كرسيه وإلى مَلَئِه وقوّته فابتلاه بآصف، وإلى سياسته فابتلاه بالهدهد، فقال: (أحطْت بما لم تحِطْ به)