وقيل: إنما عرفهم لأنهم كانوا على صفتهم التي رآهم يوسف أوَّلاً، ولم يكن
يوسف على الصفة التي كان عليها من الصغر.
وقيل: إن يوسف لم يقطع الرجاء عن رؤيتهم، بل كان يتفكر فيهم، فلذلك
عرفهم، وهم قطعوا الرجاء عن رُؤْيته، فلذلك لم يعرفوه.
والإشارة فيه أنَّ قَلْبَ العبد إذا كان مشغولاً بمحبة الرب عرفه من غير
رؤية.
وقلب الكافر كان مشغولاً بمحبة الصنم فلذلك لا يعرفه حين يرى الدلائل
الظاهرة.
وقيل: إنه كان مُتَبَرْقِعاً، فلذلك لم يعرفوه، ودخلوا عليه وهو على هيئة
عظيمة من الملك (1) .
وقصته من أولها إلى آخرها عجيبة، كما قال تعالى: (آياتٌ للسائلين) .
قد تكفل بجمعها وما فيها من النكت والإشارات والفوائد الإمام الهمداني وهو
عجيب لمن تأمّله.
(نَزغً الشيطانُ بَيْنِي وبَيْنَ إخْوتي) ، أي أفسد وأغوى.
وإنما قال يوسف هذا القول لما رأى من لطف الله تعالى، حيث أضاف الكذب
إلى القميص، فتأدَّب وأضاف ذَنْبَهم إلى الشيطان والإخوة إلى نفسه، ولم يَنْفِهِم عن نفسه، لكيلا يهتك أستارهم، وتسوء ظنونهم.
وكذلك قال الله تعالى: (إنما استَزَلَّهم الشيطانُ ببَعْض ما كَسَبُوا) .
حتى تتأدب الملائكة بذلك، فلا يذكرون في القيامة زلّتك ولا يهتكون سترك.
(نَار السَّموم) : أي حرها.
وهذا من قول إبليس بزَعْمِه الفاسد أن النار أقوى من الطين، وليس كذلك، بل هي في درجة واحدة من حيث هي جاد مخلوق، فلما ظنَّ إبليس أن صعودَ النار وخفّتها تقتضي فَضْلاً على سكون الطين وبلادته قاس أن ما خلق منها أفضل مما خلق من الطين، فأخطأ قياسه، وذهب عنه أن الروح الذي نفخ في آدم ليس من الطين.