قلت: المعتبر في اطراد (أفعل) التفضيل الظاهر جواز أن يقع موقعه الفعل الذي يبنى منه، مفيدًا فائدته، وما أوردته ليس كذلك.
ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا يحسن أبوه كحسنه، فأتيت موضعٍ أحسن بمضارع حسن فائت الدلالة على التفضيل، أو قلت: ما رأيت رجلا يحسنه أبوه، فأتيت موضع أحسن بمضارع حسنه، إذا فاقه في الحسن كنت قد جئت بغير الفعل، الذي يبنى منه أحسن، وكانت الدلالة على الغريزة المستفادة من (أفعل) التفضيل.
ولو رمت أن توقع الفعل موقع (أحسن) على غير هذين الوجهين لم تستطع، وكذا القول في نحو: رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل منه في عين زيدٍ، فإنك لو جعلت فيه يحسن مكان أحسن، فقلت: رأيت رجلا يحسن في عينه الكحل كحسنه في عين زيدٍ، أو يحسن في عينه الكحل كحلا في عين زيد فأتت الدلالة على التفضيل في الأول، وعلى الغريزة في الثاني.
الأمر الثاني: أن (أفعل) التفضيل متى ورد على الوجه المذكور وجب رفعه الظاهر، لئلا يلزم الفصل بينه وبين (من) بأجنبي فإن ما هو له في المعنى لو لم يجعل فاعلا لوجب كونه مبتدأ، ولتعذر الفصل به.
فإن قلت: وأي حاجة إلى ذلك؟ ولم لم يجعل مبتدأ مؤخرًا عن (من)؟
فيقال: ما رأيت رجلا أحسن في عينيه منه في عين زيدٍ الكحل، أو مقدمًا على أحسن، فيقال: ما رأيت رجلا الكحل أحسن في عينه منه في عين زيدٍ.
قلت: لم يؤخر تجنبًا عن قبح اجتماع تقديم الضمير على مفسره، وإعمال الخبر في ضميرين لمسمى واحد وليس هو من أفعال القلوب، ولم يقدم كراهية أن يقدموا لغير ضرورة ما ليس بأهم، فإن الامتناع من رفع (أفعل) التفضيل للظاهر ليس لعلة موجبة إنما هو لأمر استحساني، فيجوز التخلف عن مقتضاه، إذا زاحمه ما رعايته أولى، وهو تقديم ما هو أهم، وإيراده في الذكر أتم، وذلك صفة ما يستلزم صدق الكلام تخصيصه.
ألا ترى أنك لو قلت: ما رأيت رجلا كان صدق الكلام موقوفًا على تخصيص رجل بأمر يمكن أنه لم يحصل لمن رأيته من الرجال، لأنه ما من راءٍ إلا وقد رأى رجلا ما.
فلما كان موقوف الصدق على المخصص، وهو الوصف كان تقديمه مطلوبًا ١٩١ فوق كل // مطلوب، فقدم، واغتفر ما ترتب على التقديم: من الخروج عن الأصل.