سورة الأعراف ٧: ٤٣
{وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ مِّنْ غِلٍّ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}:
{وَنَزَعْنَا}: من النزع: وهو قلع الشيء من قعره بشدة، وكأن الحقد شيئاً دفيناً في صدورهم، يحتاج إلى نزع بشدة.
{مَا فِى}: ما: اسم موصول؛ أي: الذي في صدورهم. وما: أوسع شمولاً من الذي.
{وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِمْ}: أيْ: ما في قلوبهم، والقلب: جزء من الصدر، وهو ما يسمَّى إطلاق الكل، وإرادة الجزء، فالكل هو الصدر، والجزء هو القلب.
{مِّنْ غِلٍّ}: الغل: الحقد، أو العداوة، أو الحسد والبغضاء، وجمع غل: أغلال؛ أي: قيود حديدية.
{تَجْرِى مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}: تنبع من تحت قصورهم الأنهار؛ أيْ: جناتهم.
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِهَذَا}: الذي: اسم موصول، هدانا للإيمان، وللعمل الصالح، ووفقنا للفوز بالجنة، ونعيمها، وهذا اسم إشارة؛ يدل على القرب.
{وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ}:
{وَمَا}: الواو عاطفة، ما: نافية.
{لِنَهْتَدِىَ}: اللام: لام التوكيد، توكيد النفي.
{لَوْلَا}: حرف امتناع؛ لوجود؛ أيْ: لولا أن هدانا الله لامتنعت الهداية عنا، أو ما عرفنا الهداية.
{أَنْ}: حرف مصدري؛ يفيد التوكيد.
{هَدَانَا اللَّهُ}: هداية: الدلالة والإرشاد والتوفيق؛ أي: دلنا وأرشدنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم: وهو دِين الإسلام.
{لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ}: لقد: اللام: لام التوكيد، قد: حرف تحقيق، وتوكيد.
{جَاءَتْ}: ولم يقل: جاء، أنَّث؛ للدلالة على كثرة الرسل؛ الذين جاؤوا بالحق.
{رَبِّنَا بِالْحَقِّ}: ربنا: الباء: للإلصاق، والتوكيد، بالحق: بالبعث، والحساب، والجزاء، والجنة، والنار.
بالحق: بالوحي، والصدق.
والحق تعريفه: الشيء الثابت؛ الذي لا يتغير، وكذلك تعني: الحكم المطابق للواقع، والحق: هو كل ما أخبر به الله تعالى رسله.
{وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}:
{وَنُودُوا}: من قبل الملائكة.
{أَنْ}: للتوكيد، مخففة من أن الثقيلة.
{تِلْكُمُ الْجَنَّةُ}: اسم إشارة، والكاف: للبعد.
{الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا}: يقال: ورث فلان غيره، إذا ناله شيء من الإرث، أو التركة.
{بِمَا}: الباء: للتعليل.
{كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: في الدنيا: من أقوال، وأفعال.
وكلمة {أُورِثْتُمُوهَا}: تدل على أن هناك شيئاً ورثه من غيره.
ونعلم أن الله -جل وعلا- أعد لكل واحد من خلقه مكانة في الجنة، أو مقعداً في الجنة، ومقعداً في النار.
إذن: هناك جنات بعدد الخلق، أو أماكن في الجنات بعدد الخلق، وأماكن في النار بعدد الخلق؛ فإن آمن كل الخلق؛ فلهم كلهم أماكن، أو مقاعد في الجنة، وإن كفروا؛ فلهم مقاعد في النار.
وبما أن لكل واحد مقعداً في الجنة، ومقعداً في النار؛ فإذا ذهب هذا الواحد إلى النار، ترك مقعده في الجنة فارغاً، فسوف يُورث مقعده لشخص آخر، وبالعكس إذا دخل إلى الجنة، وله مقعد في النار؛ فسوف يورث هذا المقعد إلى شخص آخر.
إذن: في النهاية يصبح لكل واحد مقعدان: مقعده الأصلي في الجنة، ومقعد يرثه عن غيره من الذين ذهبوا إلى النار، وتركوا مقاعدهم في الجنة فارغة.