سورة الأعراف ٧: ٨٦
{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}:
{وَلَا}: الواو: عاطفة، لا: الناهية.
{تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ}: الصراط: الطريق، تتوعدون الناس بالقتل إن لم يعطوكم أموالهم، أو تصدون الناس؛ أيْ: تصرفون الناس عن الإيمان، والدخول في دِين الله، واتباع ما جئت به، وكيف يقول: {بِكُلِّ صِرَاطٍ}، ونحن نعلم أن الصراط واحد، هو الصراط المستقيم؛ لقوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} الأنعام: ١٥٣.
الجواب: نعم، الصراط واحد، ولكن يتشعب إلى حدود، وأحكام، وعقائد؛ أيْ: {وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ}: أيْ: بكل باب، من أبواب الطاعة، أو الخير.
{تُوعِدُونَ}: توعدون من آمن (بشعيب)، بالشر، وتخوفون الناس بالعذاب، والقتل إن آمنوا.
{وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: الناس عن دِين الله، والهداية.
{مَنْ آمَنَ}: به؛ أيْ: بالله، وبدينه.
{وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا}: الواو عاطفة (عطف تبنوها على تصدون)؛ أيْ: تريدون دِيناً، معوجاً، مائلاً عن الحق في القيم، والمعايير، أو تريدون الميل عن الاستقامة، وذلك بإثارة الفتن، والأكاذيب، والشبهات، وإباحة التلاعب بالميزان والمكيال.
إذن نهاهم شعيب عن قطع الطريق الحسي، والمعنوي بسلب أموال الناس، وسلب أمتعتهم، وطعامهم، وشرابهم.
ونهاهم عن الصدّ عن دِين الله، ومنع الناس من حقوقهم في الكيل والميزان، وتجنب الفساد في الأرض. وإذا قارنا هذه الآية مع الآية (٩٩) في سورة آل عمران وهي قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} بدون الواو وبدون به؛ لأن تبغون حال، والحال لا يدخله الواو (قاعدة نحوية).
{وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}:
{وَاذْكُرُوا إِذْ}: أيْ: حين كنتم {قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}: حين كنتم قليلاً في العدد، فكثركم بالزيادة؛ فأصبحتم أكثر عدداً.
وتذكيرهم بالنِّعم يوجب الشكر، والإصلاح، وترك الفساد، والإيمان.
{وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ}: وانظروا نظرة تدبُّر، واتعاظ، نظرة قلبية بتفكُّر، وتمعُّن.
{كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ}: حين يذكر العاقبة؛ فيقول: كيف كان بدلاً من كيف كانت؛ فهذا يعني: العذاب، وهذا من خصائص القرآن الكريم، كما هي الحال في هذه الآية، وحين يؤنث العاقبة، ويقول: كيف كانت عاقبة؛ يعني: الجنة.
{الْمُفْسِدِينَ}: أيْ: ماذا حلّ بالذين جاؤوا من قبلكم، من المفسدين في الأرض؛ الذين كذبوا رسلهم؛ كيف أهلكهم الله سبحانه؛ بسبب ذنوبهم؛ أمثال: قوم لوط، ونوح، وعاد، وثمود. ارجع إلى سورة البقرة، آية (٢٠٥)؛ لمزيد من البيان.