سورة البقرة ٢: ١٠٦
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}:
{مَا}: شرطية.
{نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ}: النسخ: تعريفه: رفع الحكم الشرعي؛ بدليل شرعي آخر، متأخر عنه.
النسخ لغةً: الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظل؛ أي: أزالته، وذهبت به.
إذن النسخ، هو إزالة حكم ما، والمجيء بحكم آخر، أو نزيل آية كانت موجودة، ونأتي بآية أخرى.
{أَوْ نُنْسِهَا}: من النسيان، تعني: أنّ الله يجعل الإنسان أو النّاس يسهون، أو يغفلون عنها، فلا يذكرونها؛ أي: يمحيها من الذاكرة.
{نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}: والسؤال هنا، إذا كان هناك خيرٌ منها، فلماذا لم يأت الله بالخير من البداية؟!
الجواب: المعنى ليس كذلك، وإنما المعنى: أنّ الآية المنسوخة كانت خيراً في زمانها، وجاءت الآية الثانية، فكانت زيادة في الخير، وكلاهما خير في زمنه وبيئته.
وليس معنى ذلك: أنّ الله سبحانه قد حكم بشيء، ثم جاء واقع آخر، أثبت أنّ الحكم قاصر، فعدل الله سبحانه عن ذلك الحكم؛ هذا غير صحيح، ومرفوض.
لأنّ الله سبحانه يعلم منذ الأزل أنّ لهذا الحكم وقتاً محدداً وينتهي، ثم يحل مكانه حكم جديد، أو لا ينتهي أجله، ويبقى إلى يوم القيامة، ولا يجوز مقارنة القوانين الربانية، بالقوانين الوضعية، (الّتي يضعها البشر).
وهناك من يقول: لا نسخ في القرآن أبداً، وهناك من يقول: هناك نسخ، واختلف السلف عن الخلف في عدد الآيات المنسوخة من (٢٠٠) آية إلى (٧-١٠) آيات، واعلم أنّ النسخ في بعض الأحكام الشرعية، (وهو قليل جداً)، ولا يقع النسخ في العقيدة، ولا في الأخبار، والنسخ مخصوص بزمن الوحي في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد وفاته، فقد اكتمل الدِّين، وانقطع وحي السماء، فلا نسخ بعد، والحكمة من النسخ، قد تكون للتدرج في تربية الأمة، أثناء انتقالها من الجاهلية إلى الإسلام، والتخفيف على المسلمين من الأصعب إلى الأسهل.
وهو ابتلاء، واختبار لإيمان المسلمين.
والنسخ كان في آيات معدودات، وقد كان لبيان مجمل، أو تقيد مطلق، أو تخصيصاً لعموم، وخير مثال على ذلك: تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام، وآية المواريث، وعدة المتوفَّى عنها زوجها.
{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}: الهمزة في {أَلَمْ}: همزة استفهام تقريري، لإقامة الحجة على العبد، فبدلاً من أن تأتي الآية كخبر من الله تعالى، يخبر فيها عن ذاته، أنه على كل شيء قدير، جاءت بشكل استفهام إقراري، وأن يكون الخبر من المخاطب، وليس منه سبحانه.
{أَلَمْ تَعْلَمْ}: أي: اعلم علماً يقيناً أنّ الله على كل شيء قدير: المخاطب النّبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمته، ولمعرفة معنى أنّ الله على كل شيء قدير، ارجع إلى الآية (٢٠) من سورة البقرة.