سورة البقرة ٢: ١٠٨
{أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْـئَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}:
{أَمْ}: الهمزة؛ همزة استفهام إنكاري.
{أَمْ}: للإضراب الانتقالي.
نزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبيِّ بن كعب، ورهط من قريش؛ قالوا: يا محمّد اجعل لنا الصفا ذهباً، ووسع لنا أرض مكة، وفجر الأنهار خلالها تفجيراً؛ نؤمن بك.
وقيل: إن اليهود، سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن ينزل عليهم كتاباً من السماء، كما جاء في قوله تعالى: {يَسْـئَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ} النّساء: ١٥٣.
فبعد أن سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الكثير من الأسئلة، كما ورد في سورة الإسراء الآيات (٦٣-٩٠)، وسورة الفرقان (٧-٨).
كأنْ لم يبق لكم إلَّا أن تسألوه، كما سُئل موسى، من قبل: {أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً}.
وإذا انتبهنا إلى هذه الآية؛ لتبين لنا أنّ الله سبحانه، لم يشأ أن يشبه المسلمين باليهود، فقال: كما سُئل موسى من قبل؛ أي: بنى الفعل سُئل للمجهول، فقد كان من الممكن القول: أم تريدون أن تسألوا رسولكم، كما سأل اليهود موسى.
{وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ}: {وَمَنْ}: شرطية، جوابها: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
{يَتَبَدَّلِ}: ولم يقل: يبدل، {يَتَبَدَّلِ}: تعني: كل فرد (قاعدة عامة). يبدل: تعني فرداً واحداً (قاعدة خاصة).
{يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ}: يشتري الكفر بالإيمان، فالإيمان يمثل الدراهم المدفوعة، والكفر هو المادة، والسلعة المشتراة؛ (انتبه إلى أنّ الباء تدخل على المتروك دائماً). ارجع إلى الآية (٦) من نفس السورة لمزيد من البيان.
{فَقَدْ}: الفاء للتوكيد، قد: للتحقيق؛ أي: ثبت، ووقع، (لزيادة التّوكيد).
{ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}:
{ضَلَّ}: أي: أخطأ الطريق، أو عدل عن الحق والهدى.
والسبيل؛ هو الطريق، السهل، القصير، والموصل إلى الغاية.
والسواء: هو الوسط.
أي: ابتعد عن الصّراط المستقيم، الموصل إلى الغاية، إذ لم يمشِ في وسط السبيل، وراح يمشي يسرةً ويمنةً، فضلَّ عن سبيله، عن الإيمان، أو الحق، والهدى؛ أي: الإسلام.