سورة البقرة ٢: ١٠٩
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}:
سبب النّزول؛ كما قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- : نزلت هذه الآية في نفر من اليهود، بعد وقعة أحد، قالوا لبعض الصّحابة: ألم تروا إلى ما أصابكم، فلو كنتم على الحق، ما هُزمتم، فارجعوا إلى ديننا، فهو خير لكم، فأخبر الصّحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قيل لهم.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}:
{وَدَّ}: أحب أو تمنى، ارجع إلى الآية (١٠٥) من نفس السورة لبيان معنى الود.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: (اليهود)، من: ابتدائية.
{كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}: يعني: هناك قلة، لا تود ذلك.
أي: يتمنى كثير من أهل الكتاب، وفي كل زمن، ومناسبة، وبلا مهلة، فوراً، وبسرعة لو يردونكم كفاراً.
{لَوْ}: مصدرية.
{يَرُدُّونَكُمْ}: ولم يقل: يردوكم، بل أضاف إليها النون؛ للتوكيد.
{مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ}: بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، ورسالته؛ أي: يردونكم عن دينكم، كفاراً: جمع كافر، بدل من الكافرين كفار؛ لتدل على الكثرة، ومقارنة بكافرين، وكفاراً التي تدل على مبدأ الكفر. والكافرين تدل على عمل الكفر.
{كُفَّارًا}: غير مصدقين بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وبما أُنزل إليه، كما كنتم قبل مجيئه.
{حَسَدًا مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}: والحسد: هو تمني زوال النعمة عن المحسود، (عمن تكره)، وأن تصير للحاسد.
{مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}: من ذواتهم، من شهواتهم، فالله سبحانه لم يأمرهم بذلك، ولا التّوراة، ولا أي كتاب، والحسد: لا يكون إلَّا من عند النفس.
وقدَّم الجار والمجرور؛ من بعد إيمانكم على كفاراً، للاهتمام والحصر؛ أي: الشيء الوحيد، الذي يودونه؛ هو كفركم لا غير.
{مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}: أي: من بعد ما تأكدوا في التّوراة أنّ شخصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حق، وأنه خاتم النبيين، راحوا يحسدونكم على نعمة الإيمان، ويتمنون زوال هذه النعمة عنكم؛ لأنّ التّوراة تأمرهم أن يصدقوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم-, ولمعرفة معنى الحق ارجع إلى الآية (١١٩) في نفس السورة.
{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا}: العفو: من عفت الريح الأثر؛ أي: مسحت الأثر، وأزالته؛ فالعفو هو ترك العقوبة، والعفو عن المذنب.
{وَاصْفَحُوا}: الصفح: أبلغ من العفو، وهو يشمل: العفو، وعدم اللوم، ولا التثريب، أو المن على من عفوت؛ لأنّ الإنسان قد يعفو عن المذنب، ولكن بعد ذلك يؤنبه، ويمن عليه بعفوه، كأن يقول له: أنت لا تستحق هذا العفو.
{حَتَّى يَأْتِىَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}: بنصره، ومعونته، بالقتال، والجلاء، كما حدث لبني النظير، وبني قريظة، وقينقاع.
{إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ}: ارجع إلى الآية (٢٠) من سورة البقرة للبيان.