سورة التوبة ٩: ٣٢
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِـئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}:
{يُرِيدُونَ}: أي: اليهود، والنّصارى… وغيرهم.
{أَنْ}: حرف مصدري؛ تفيد التّوكيد.
{يُطْفِـئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}: نور الله: دين الله، دين الإسلام، شبه الدّين بالنّور. بأفواههم: الباء: للإلصاق، والتّوكيد، والاختصاص، بأفواههم؛ أيْ: بأقوالهم، وأقوالهم فارغة لا تستند إلى برهان، ولا دليل.
{وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}: يأبى من الإباء: شدة الامتناع؛ أيْ: لا بد أن يُتم الله نوره، ولو في المستقبل؛ إلا: أداة حصر. أن: للتوكيد، يتم نوره: جاء بجملة فعلية فيها تجديد واستمرار.
{نُورَهُ}: أيْ: دينه وهو الإسلام؛ أيْ: ينشر، ويظهر دينه، والإظهار يكون بالحُجَّة، والسلطان، ومنها آيات الإعجاز العلمي، ولا يعني بالقوة، والجبروت، ولو شاء الله لفعل هذا أيضاً.
{وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}: ولو: بمعنى: وإنْ كره الكافرون. لو: شرطية.
ولا بد من مقارنة هذه الآية بآية الصّف (٨)، والّتي يقول فيها سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِـئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
ففي هذه الآية، آية الصف: أضاف اللام: لام التّوكيد، والتّعليل في كلمة (ليطفئوا)، وبدل أن يتم الله نوره، قال: والله متم نوره، جاء بالجملة الاسمية بدلاً من الفعلية، وتفسير الاختلاف يعود إلى أنّ آية التّوبة جاءت في سياق اتخاذ الأحبار، والرّهبان أرباباً من دون الله، والمسيح ابن مريم.
أما آية الصّف: فجاءت في سياق إنكار نبوَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فجاء الرّد أشد بالتّوكيد بلام (ليطفئوا)، وكذلك جاء بالجملة الاسمية، والله متم نوره؛ للدلالة على الثّبات، وعدم التّغير، والإتمام حاصل لا محالة.
بينما في التّوبة: جاء بالجملة الفعلية؛ أيْ: تدل على التّجدد، والاستمرار، والجملة الاسمية أقوى من الفعلية، وآكد؛ فيكون المعنى بالتّجديد، والاستمرار، والثّبات معاً على إتمام الله سبحانه لنوره (دينه). ارجع إلى سورة الصف، آية (٨)؛ لمزيد من البيان، والمقارنة.