سورة التوبة ٩: ٩٤
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}:
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ}: هذا إخبار من الله لرسوله، وللمؤمنين عن المنافقين حين ترجعون من تبوك سيحاولون الاعتذار إليكم، ولذلك قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للصحابة: «لا تكلِّموهم، ولا تجالسوهم».
{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ}: الّذي يعتذر هو من يُبدي كلاماً ليخرجه من دائرة اللوم، والتّوبيخ على قولٍ أو فعل صدر منه مظنة أنّه ذمٌّ؛ فيطلب منه الصّفح.
{إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ}: ظرفية، زمانية؛ للاستقبال. رجعتم إليهم: أيْ: بعد رجوعكم من تبوك إلى المدينة.
{قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا}: قل لهم يا محمّد -صلى الله عليه وسلم-، والخطاب كذلك موجَّه إلى المؤمنين: لا: النّاهية. تعتذروا: بأيِّ عذر؛ لأنّه:
{لَنْ نُّؤْمِنَ لَكُمْ}: لن: النّافية؛ للاستقبال القريب، والبعيد، وهي من أقوى حروف النّفي؛ أيْ: لن نؤمن لكم قريباً، أو بعيداً، نؤمن لكم: لن نصدقكم مهما قلتم، أو اعتذرتم.
{قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ}: قد: للتحقيق، والتّوكيد (قد ثبت وتحقق): أنّ الله نبَّأ رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن طريق الوحي عما فعلتموه، أو قلتموه في غيابنا عنكم.
إذن: علَّة النّهي عن الاعتذار لن نؤمن لكم؛ أيْ: لن نصدقكم.
وعلَّة عدم تصديكم؛ لأنّ الله نبأنا عن أخباركم.
وبعد أن رفض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الاستماع إلى أعذارهم عندها أخبرهم بأنّ الله قد أخبره بما يخفوه في صدورهم من النّفاق، والكذب، وقال لهم: {وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ}: السّين: للاستقبال القريب، سيرى الله عملكم: أتتوبون إلى ربكم وتنيبون إليه، وتستغفرونه؟ أم تستمرون على نفاقكم، وكفركم.
{وَرَسُولُهُ}: أيْ: وسيرى الرّسول من خلال إعلام الله له بطريق الوحي، ولم يقل: والمؤمنون؛ لأن المؤمنين لا يرون أعمال المنافقين القلبية الخفية؛ مثل: النّفاق، والكفر.
{ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}: ثم: للترتيب، والتّراخي. تردُّون: من الرّد، والرّد يكون ليس بإرادتكم، واختياركم؛ تردُّون بعد بعثكم يوم القيامة.
{إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ}: الغيب: هو كل ما غاب، واستتر عن البشر، ما غاب من السّماء، والأرض؛ فهو يعلم، وعالم، فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.
{وَالشَّهَادَةِ}: ارجع إلى الآية (١٠٥)؛ للبيان.
{فَيُنَبِّئُكُمْ}: الفاء: تعليلية. ينبئكم: يخبركم.
{بِمَا}: الباء: للإلصاق. ما: اسم موصول؛ بمعنى الّذي، أو مصدرية.
{كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}: العمل: يضم القول، والفعل؛ أيْ: يخبركم بأقوالكم، وأفعالكم في الدّنيا. ارجع إلى الآية (١٠٥)؛ للبيان، ومعرفة الفرق بين الآيتين (٩٤، و١٠٥).