سورة هود ١١: ٩
{وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَـئُوسٌ كَفُورٌ}:
{وَلَئِنْ}: ارجع إلى الآية (٧).
{أَذَقْنَا}: من ذاق؛ أيْ: شعر بطعم الطّعام؛ أيْ: مجرد الشّعور بالطّعم، وليس الأكل، ويستعمل الذوق مجازاً في إدراك غيره من الأشياء المعنوية؛ كالرّحمة، والنّعمة، والعذاب، وذوق الرّحمة يدلّ على لذة التّمتع بها بأقلّ حالاتها، فما بالك إذا تجاوز ذلك.
وكلمة ذاق: تستعمل في الشّيء المحبوب، أو المكروه؛ مثل: الرّحمة، أو العذاب، أو الخير، أو الشّر، وتصح للكثير، والقليل، والشّديد، والخفيف، واللسان أداة الذّوق، ويقسم إلى مناطق خاصة بالطّعم الحامض، والحلو، والمالح، والمر، وشبه الرّحمة هنا بالطّعام الّذي يذاق.
{مِنَّا رَحْمَةً}: الرّحمة بشكل عام تعني: كلّ ما يجلب ما يَسرُّ، ويدفع ما يَضرُّ.
أي: الإنعام على العبد مثل: سعة العيش، والصّحة، والأمن، والغنى. نحن هنا أمام سؤالين:
الأوّل: لماذا قدَّم منا على رحمة، ولم يقل رحمة منا؛ أي: التّأخير، أو التّقديم
والثّاني: قال: منا، ولم يقل: من عندنا، أو من لدنا.
الجواب على السّؤال الأوّل: إنّ السّياق في هذه الآية، وغيرها على قدرة الله سبحانه في خلق السّموات والأرض، والبعث، والإذاقة، وكلّ دابة على الله رزقها، فقدَّم (منا)، ولو كان السّياق في الرّحمة؛ كما ورد في سورة فصلت الآية (٥٠) {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا}؛ لقدَّم الرّحمة.
الجواب على السّؤال الثّاني: منا، وليس من عندنا؛ (منا): يستعملها القرآن للمؤمن والكافر، وكلّ الخلائق؛ (من عندنا): هي أخص يستعملها عندما تخص المؤمن غالباً، أمّا من لدنا: فهي أخصُّ، وأقرب مقارنة من عندنا، وتستعمل للمحسن، أو أولياء الله، وأنبيائه.
{ثُمَّ}: للترتيب، والتّراخي الزّمني؛ نزعناها بعد فترة طويلة.
{نَزَعْنَاهَا مِنْهُ}: سلبناها إياه، أو حرمناه إياها، أو أخذناها منه، ونزعناها: تدل على شدة الأخذ؛ أي: الأخذ بقوَّة، وشدة وإكراه؛ لأنّه يتمسك بها بشدة، ولا يريد التّخلي عنها، ويحرص عليها؛ فلا بُدَّ من استعمال النّزع بدل الأخذ.
{إِنَّهُ لَيَـئُوسٌ كَفُورٌ}: إنّه: إنّ: للتوكيد.
{لَيَـئُوسٌ}: اللام: لزيادة التّوكيد، يؤوس: صيغة مبالغة من اليأس؛ أيْ: يظل يائساً، واليأس: هو انقطاع الأمل في الشّيء، والإنسان لا يقطع الأمل في الله إلا إذا كان كافراً، والمؤمن لا ييْئَس من رحمة الله.
{كَفُورٌ}: من كفر، ويكفر: صيغة مبالغة من الكفر؛ أيْ: كثير الكفر؛ أيْ: كثير الجحد، والسّتر؛ لأنّ الكفر: هو أصلاً السّتر، وكفور: قد تعني: قليل الشّكر.
وفي سورة فصلت، الآية (٤٩) قال سبحانه: {وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَـئُوسٌ قَنُوطٌ}: والقنوط: أشد حالات اليأس، وهو حالة خاصة من حالات اليأس.
وأمّا الفرق بين أنعمنا، وأذقنا:
فأذقنا: قد تكون في الخير، أو الشّر.
أمّا إذا أنعمنا: فالإنعام فقط يكون في الخير.
وكلمة أذقنا، أو أذقناه: يصاحبها دائماً كلمة رحمة، أو نعماء في كلّ القرآن، وقد تخص الإنسان، أو النّاس.
أما كلمة ذوقوا: فيصاحبها ذكر العذاب، أو تعملون، أو تكسبون، أو تمكرون…