سورة يوسف ١٢: ٢٣
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَنْ نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّى أَحْسَنَ مَثْوَاىَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}:
{وَرَاوَدَتْهُ الَّتِى هُوَ فِى بَيْتِهَا عَنْ نَّفْسِهِ}: ولم يذكر اسمها كأن يقول امرأة العزيز، أو اسمها الحقيقي لتجنب إذاعة الفاحشة والستر عليها وعلى سيدها؛ المراودة: المطالبة برفق، ولين، والمراجعة؛ أيْ: إعادة الطّلب، وبأسلوب فيه نوع من الخداع، والحيلة لوقوع المطلوب، ومعنى ذلك حاولت إغراءَه جنسياً.
وأبدت له من القول، والحركة، والمحاسن ما يدل على أنّها تدعوه إلى الوقوع في الفاحشة بعد أن اتخذت كلّ الأسباب اللازمة للحيطة، والحذر من اكتشاف هذا الأمر، والمراودة مشتقة من الرّويد، وهو الرّفق، والمراودة مفاعلة؛ أيْ: تحتاج إلى مشاركة بين طرفين، وقد تنتهي إلى نتيجة، أو لا يستجاب لها.
{عَنْ نَّفْسِهِ}: عن: تفيد المجاوزة، والابتعاد؛ أيْ: يتخلى عن نفسه لها؛ أيْ: يعطيها نفسه؛ فتحصل امرأة العزيز على ما تريد منه.
{وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ}: ولم يقل: وأغلقت الأبواب، غلقت الأبواب؛ أيْ: أحكمت إغلاقها؛ لتأمن من الدّاخلين؛ أي: استعملت المفاتيح، وغلقت الأبواب؛ تعني: أبواباً كثيرة بينما أغلقت الأبواب: تدل على أنها من دون إحكام، وأبوابٌ قلة.
{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}: انتهت مرحلة المراودة إلى مرحلة التّطبيق.
{هَيْتَ لَكَ}: أيْ: هلمَّ إلي؛ أقبل، وأسرع، أو جئت لك؛ أيْ: أعددت نفسي لك.
{لَكَ}: اللام: لام الاختصاص لك وحدك.
{قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ}: قال يوسفُ: معاذ الله: مشتقة من أعوذ بالله؛ أيْ: ألتجأ وأعتصم بالله أن أفعل هذا، أو أعوذ بالله معاذاً مما تريدين مني.
{إِنَّهُ}: إنّه: للتوكيد، والهاء: تعود إلى العزيز.
{إِنَّهُ رَبِّى}: أيْ: سيدي (أيْ: عزيز مصر)، وقد تعني أيضاً: الله سبحانه، فالأسلوب يحتمل كلا المعنيين؛ فالله هو المربي الحقيقي، والعزيز هو الّذي وكل إليه للقيام بالتّربية.
{أَحْسَنَ مَثْوَاىَ}: أيْ: أكرمني، وأحسن إقامتي عنده، وربّاني. ارجع إلى الآية السابقة (٢١) لمزيد من البيان.
{إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}: إنّه: للتوكيد؛ لا: النّافية.
{يُفْلِحُ}: أي: يفوز بالمرغوب وينجو من المرهوب، فالفلاح: هو الفوز والنجاة.
{الظَّالِمُونَ}: أي: الزّناة، أو الخائنون؛ أيْ: من يفعل ذلك يكن خائناً للأمانة، وظالماً لنفسه وغيره. والظالمون: جمع ظالم، والظالم: كلّ من خرج عن منهج الله، والظالمون: جملة اسمية تدل على ثبوت صفة الظلم عندهم.