سورة البقرة ٢: ١٥٣
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}:
نداء إلى {الَّذِينَ آمَنُوا}: بياء النداء، والهاء: للتنبيه، بالاستعانة بالصبر، والصلاة، وفي الآية السابقة (١٥٢) حضهم على الذكر والشكر؛ لأنه هداهم إلى معالم دينهم وقبلتهم، وهنا يسألهم بالصبر والصلاة، على أذى المشركين، وافتراءاتهم، وحسدهم، ولأنّ معركة الحق والباطل مستمرة، فقال تعالى: {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}؛ لأنّ الله -جل وعلا- ، سيفرض عليكم صيام رمضان، وأنّ معركة بدر على الأبواب.
ففي شهر واحد تحولت القبلة شطر المسجد الحرام، وجاء الأمر الإلهي بفرض الصّيام، وكان ذلك في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً من الهجرة، وكانت غزوة بدر يوم الجمعة في السابع عشر من شهر رمضان على رأس تسعة عشر شهراً من الهجرة، وقيل في تاريخها أقوال أخرى.
فكان صرف القبلة أولاً، ثم فرض صيام رمضان، ثم جاءت غزوة بدر الكبرى.
وقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}: نداء بتكليف جديد بالاستعانة بالصبر والصلاة.
ولماذا قدَّم الصبر على الصلاة؟ ارجع إلى الآية (٤٥) من سورة البقرة للبيان. {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ}: فكلمة الصبر ومشتقاتها، وردت في القرآن في حوالي (٩٠) آية.
والصبر كما عرَّفه ابن قيم الجوزية: حبس النفس عن الجزع، والسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن المعصية. وقدم الصبر على الصلاة؛ لأن الصلاة عبادة تحتاج إلى صبر، وكل العبادات تحتاج إلى الصبر، وهذا الصبر يعتبر من أشد أنواع الصبر.
والصبر درجات: صابر، مستصبر، متصبر، صبار، صبور، وهي أعلاها.
والصبر أنواع: صبر بالله، وصبر لله، وصبر مع الله، وصبر على الطاعة، وصبر على المعصية، وصبر على الشدائد والنوازل.
واعلم: أنّ الله مع الصابرين، وأنّ الله يحب الصابرين، وهناك الصبر الجميل. انظر: سورة يوسف، آية ١٨.
والصلاة أعظم العبادات، وأفضل القربات، وخير الطاعات، مقرونة بالتوحيد والخشوع، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبَه أمرٌ (أي: جاءه أمر شاقٌّ أو مكروه)، قام إلى الصلاة، رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود.
{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}: إن للتوكيد. {مَعَ الصَّابِرِينَ}: بالعون والنصرة. ارجع إلى سورة النحل، آية (١٢٧) لمزيد من البيان.